تسجيل الدخول

مأساة بئر معونة

وفي نفس الشهر الذي وقعت فيه مأساة الرجيع وقعت مأساة أخرى أشد وأفظع من الأولى، وهى التي تعرف بوقعة بئر معونة.
وكان قد قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر، ملاعب الأسنة، على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المدينة، فعرض عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الإسلام، ودعاه إليه، فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام، وقال: يا محمد لو بعثت رجالًا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك، رجوت أن يستجيبوا لك. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إني أخشى عليهم أهل نجد"، قال أبو براء: أنا لهم جارٌ فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك.
فبعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو، المشهور بلقب: "المعتق ليموت"، في أربعين رجلًا من أصحابه من خيار المسلمين؛ منهم: الحارث بن الصمة، وحرام بن ملحان، وعروة بن أسماء، ونافع بن بديل بن ورقاء، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق، في رجال من خيار المسلمين، فساروا حتى نزلوا ببئر معونة، وهى بين أرض بني عامر وحرة بني سليم، كلا البلدين منها قريب.
فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل، فما أن قرأه حتى قام إلى الرجل فقتله، ثم حرض عليهم بني عامر، فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه، وقالوا: لن ننقض عهد أبي براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا، فحرض عليهم قبائل من سليم فأجابوه إلى ذلك، فخرجوا حتى أتوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم ثم قاتلوهم حتى قُتلوا عن آخرهم يرحمهم الله إلا كعب بن زيد؛ فإنهم تركوه وبه رمق، فحمل جريحًا من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدًا يرحمه الله.
وكان في سرح القوم (أي: رحالهم وركائبهم) عمرو بن أمية الضمري، ورجل من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف، فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم حول العسكر، فقالا: والله إن لهذه الطير لشأنا.
فأقبلا لينظرا، فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة، فقال الأنصاري لعمرو بن أمية: ما ترى؟ قال: أرى أن نلحق برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فنخبره الخبر، فقال الأنصاري: ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، وما كنت لتخبرني عنه الرجال (أي: أنني أعرف قدره بنفسي لا من كلام الرجال عنه) ثم قاتل القوم حتى قتل.
أما عمرو بن أمية؛ فقد أخذوه أسيرًا، فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل، وجزّ ناصيته (أي: جرح جبهته علامة على أنه عبد معتق) وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه.
فخرج عمرو بن أمية حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة، أقبل رجلان من بني عامر حتى نزلا معه في ظل هو فيه، وكان مع العامريين عقد من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وجوار لم يعلم به عمرو بن أمية، وقد سألهما حين نزلا: ممن أنتما؟ فقالا: من بني عامر، فأمهلهما حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثأرًا من بني عامر، فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
ورجع عمرو بن أمية الضمري إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم حاملًا معه أنباء المصاب الفادح، مصرع سبعين من أفاضل المسلمين، تذكر نكبتهم الكبيرة بنكبة أحد؛ إلا أن هؤلاء ذهبوا في قتال واضح، وأولئك ذهبوا في غدرة شائنة.
ولما أخبره بما فعل مع الرجلين العامريين، قال الرسول صَلَّى الله عليه وسلم: "لقد قتلت قتيلين، لأدينهما" (أي: عليّ دفع الدية لأهلهما)، ثم قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هذا عمل أبى براء، قد كنت لهذا كارهًا متخوفًا". ثم انشغل الرسول صَلَّى الله عليه وسلم بجمع ديات القتيلين من المسلمين وحلفائهم اليهود.
ولما بلغ أبا براء الخبر شق عليه ما فعل عامر بن الطفيل، وما أصاب أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بسببه وجواره. وقد تألم النبي صَلَّى الله عليه وسلم لأجل هذه المأساة ولأجل مأساة الرجيع، اللتين وقعتا خلال أيام معدودة، تألمًا شديدًا، وتغلب عليه الحزن والقلق، حتى دعا على هؤلاء الأقوام والقبائل، التي قامت بالغدر والفتك في أصحابه.
ففي الصحيح عن أنس قال: دعا النبي صَلَّى الله عليه وسلم على الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة ثلاثين صباحًا، يدعو في صلاة الفجر على: رَعل، وذكوان، ولحيان، وعصية، ويقول صَلَّى الله عليه وسلم: "عصية عصت الله ورسوله"، فأنزل الله تعالى على نبيه قرآنا نُسِخَ بعد ذلك: "بلغوا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه" فترك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قنوته.
sulfasalazin hexal 500mg sulfasalazin nedir sulfasalazin drug
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال