تسجيل الدخول

الجيش الإسلامي إلى تبوك

سار رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بالجيش، وخَلَّف علي بن أبي طالب ــ رضوان الله على أهله ــ وأمره بالإقامة فيهم، فأخذ المنافقون يقولون: ما خلَّفه إلا استثقالًا له وتخففًا منه، فلما قال ذلك المنافقون أخذ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف، فقال: يا نبي الله، زعم المنافقون أنك إنما خلفتني أنك استثقلتني وتخففت مني! فقال: "كذبوا، ولكنني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ألا إنه لا نبي بعدي"، فرجع علي إلى المدينة ومضى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على سفره.
ثم تحرك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم نحو الشمال يريد تبوك، ولكن الجيش كان كبيرًا ــ كانوا ثلاثون ألف مقاتل ــ لم يخرج المسلمون في مثل هذا الجمع الكبير قبله قط، فلم يستطع المسلمون مع ما بذلوه من الأموال أن يجهزوه تجهيزًا كاملًا، بل كانت في الجيش قلة شديدة بالنسبة إلى الزاد والدواب، فكان ثمانية عشر رجلًا يتناوبون بعيرًا واحدًا للركوب، وربما أكلوا أوراق الأشجار حتى تورمت شفاههم، واضطروا إلى ذبح العير ــ مع قلتها ــ ليشربوا ما في كروشها من الماء، ولذلك سمي هذا الجيش بجيش العسرة.
ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أيامًا إلى أهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه ــ أي: بستانه ــ قد رشت كل واحدة منهنَّ عريشها وبردت له فيه ماء، وهيأت له فيه طعاما، فلما دخل قام على باب العريش فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال: رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في الضح ــ أي: الشمس ــ والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء، في ماله مقيم، ما هذا بالنصف ــ أي: بالعدل ــ ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فهيئا لي زادًا، ففعلتا، ثم قدم ناقته فركبها ثم خرج في طلب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى أدركه حين نزل تبوك، وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فترافقا، حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب: إن لي ذنبًا، فلا عليك أن تخلف عني حتى آتي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ففعل، حتى إذا دنا من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك قال الناس: هذا راكب على الطريق مقبل، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "كن أبا خيثمة" فقالوا: يا رسول الله، هو والله أبو خيثمة، فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أولى لك يا أبا خيثمة" ــ كلمة تقال للمعاتبة ــ ثم أخبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الخبر، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خيرًا ودعا له بخير.
وقد كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين مر بالحجر، نزلها واستقى الناس من بئرها، فلما راحوا قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لا تشربوا من مائها شيئا ولا تتوضئوا منه للصلاة، وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئا، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له"، ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر في طلب بعير له، فأما الذي ذهب لحاجته فقد خنق على مذهبه ــ المذهب: موضع قضاء الحاجة، وخنق أي: ضاق نفسه، وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيء، فأخبر بذلك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "ألم أنهكم أن يخرج منكم أحد إلا ومعه صاحبه؟" ثم دعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم للذي أصيب على مذهبه فشفي، وأما الآخر الذي وقع بجبلي طيء فإن طيئا أهدته لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حين قدم المدينة، فلما أصبح الناس ولا ماء معهم شكوا ذلك إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فأرسل الله سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، واحتملوا حاجتهم من الماء، ثم إن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت ناقته، فخرج أصحابه في طلبها، وعند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم رجل من الصحابة يقال له: عمارة بن حزم، وكان عقبيًا بدريًا ــ أي: حضر بيعة العقبة وبدرًا ــ وهو عم بني عمرو بن حزم، وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي، وكان منافقًا.
فقال زيد بن اللصيت وهو في رحل عمارة، وعمارة عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدرى أين ناقته؟ فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وعمارة عنده: "إن رجلًا قال: هذا محمد يخبركم أنه نبي ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدرى أين ناقته، وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله وقد دلني الله عليها، وهي في هذا الوادي في شعب كذا وكذا قد حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوني بها" فذهبوا فجاءوا بها، فرجع عمارة بن حزم إلى رحله، فقال: والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم آنفًا، عن مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا ــ للذي قال زيد بن اللصيت ــ فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: زيد والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي، فأقبل عمارة على زيد يجأ ــ أي يضرب ــ في عنقه ويقول: إلي عباد الله، إن في رحلي لداهية وما أشعر، اخرج أي عدو الله من رحلي فلا تصحبني.
ثم مضى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سائرًا، فجعل يتخلف عنه الرجل فيقولون: يا رسول الله تخلف فلان، فيقول: "دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه" حتى قيل: يا رسول الله قد تخلف أبو ذر، وأبطأ به بعيره، فقال: "دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه". وصبر أبو ذر على بطء بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره، ثم خرج يتبع أثر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ماشيًا، ونزل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين فقال: يا رسول الله، إن هذا لرجل يمشي على الطريق وحده، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "كن أبا ذر" فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "رحم الله أبا ذر، يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده".
ولما قرب من تبوك قال: "إنكم ستأتون غدًا إن شاء الله تعالى عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها حتى آتي"، قال معاذ: فجئنا وقد سبق إليها رجلان، والعين تبض بشيء من مائها ــ أي: تخرج قليلًا قليلًا ــ فسألهما رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هل مسستما من مائها شيئا؟" قالا: نعم، وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم غرف من العين قليلًا قليلًا حتى اجتمع الوشل ــ والوشل: الماء القليل ــ ثم غسل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فيه وجهه ويده، ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس، ثم قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جنانًا".
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال