تسجيل الدخول

موقف المنافقين والذين في قلوبهم مرض

حينما نقلت إلى المدينة أخبار إعداد الرومان، وبرغم ما رآه هؤلاء المنافقون من نجاح رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في كل الميادين، وأنه لا يخاف من سلطان على ظهر الأرض، بل يذيب كل ما يعترض في طريقه من عوائق، برغم هذا كله ظل هؤلاء المنافقون يأملون في تحقق ما كانوا يخفونه في صدورهم، وما كانوا يتربصونه من الشر بالإسلام وأهله. وبينما كان المسلمون يتسابقون في الإنفاق ولم يمسك أحد يده، لم يبخل أحد بماله إلا المنافقون {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ} [التوبة: 79] وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحر، زهادة في الجهاد، وشكًا في الحق، وإضعافا لموقف رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم: {وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: 81 ــ 82].
كذلك جاء نفر من الأعراب الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم فقدموا اعتذارات كاذبة للتخلف عن مشاركة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الغزو، رغم مقدرتهم على ذلك، واشتهر من بين الذين اشتهروا بذلك الجد بن قيس، فقد قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه للجد بن قيس أحد بني سلمة: "يا جد، هل لك العام في جلاد بني الأصفر؟" فقال: يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني، فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجبا بالنساء مني، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر، فأعرض عنه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وقال: "لقد أذنت لك". ففي الجد بن قيس نزلت هذه الآية: {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49] ــ أي: إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر، وليس ذلك به، فما سقط فيه من الفتنة أكبر؛ بتخلفه عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، والرغبة بنفسه عن نفسه، وإن جهنم لمن ورائه.
وعندما تجمع عسكر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم تجمع عبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين وأهل الريب، وعسكروا وحدهم على جبل بالمدينة يقال له: ذباب، ليظن الناس أنهم خارجون للغزو، فلما سار رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم تخلفوا عنه.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال