تسجيل الدخول

المسلمون يجيبون أمر الرسول ويتسابقون إلى التجهز للغزو

لما قرر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم الخروج لملاقاة الروم أعلن في الصحابة أن يتجهزوا للقتال، وبعث إلى القبائل من العرب وإلى أهل مكة يستنفرهم، وكان قل ما يريد غزوة يغزوها إلا أخفى قصده، ولكنه نظرا إلى خطورة الموقف وإلى شدة العسرة أعلن أنه يريد لقاء الرومان، وبَيَّنَ للناس أمرهم، ليتأهبوا أهبة كاملة، وحضهم على الجهاد، ونزلت قطعة من سورة براءة تثيرهم على الجهاد، وتحثهم على القتال، ورغبهم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في بذل الصدقات وإنفاق كرائم الأموال في سبيل الله.
ولم يكد المسلمون يسمعون صوت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يدعو إلى قتال الروم إلا وتسابقوا إلى امتثاله، فقاموا يتجهزون للقتال بسرعة بالغة، وأخذت القبائل والبطون تهبط إلى المدينة من كل صوب وناحية، كما تسابق المسلمون في إنفاق الأموال وبذل الصدقات.
كان عثمان بن عفان قد جهز عيرًا للشام، مائتي بعير بأقتابها وأحلاسها ــ المقصود بكل ما عليها ــ ومائتي أوقية، فتصدق بها ثم تصدق بمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، ثم جاء بألف دينار فنثرها في حجره صَلَّى الله عليه وسلم، فكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقلبها ويقول: "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم"، ثم تصدق وتصدق، حتى بلغ مقدار صدقته تسعمائة بعير ومائة فرس سوى النقود.
وجاء عبد الرحمن بن عوف بمائتي أوقية فضة، وجاء أبو بكر بماله كله، وكانت أربعة آلاف درهم، وهو أول من جاء بصدقته، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "وماذا تركت لأهلك؟" فقال: تركت لهم الله ورسوله، وجاء عمر بنصف ماله، وجاء العباس بمال كثير، وجاء طلحة وسعد بن عبادة ومحمد بن مسلمة كلهم جاءوا بمال، وجاء عاصم بن عدي بتسعين وسقا ــ الوسق حمل بعير ــ من التمر، وتتابع الناس بصدقاتهم قليلها وكثيرها، حتى كان منهم من أنفق مدا أو مدين ــ المد ملء كفي الإنسان وهو يساوي رطلان تقريبًا ــ لم يكن يستطيع غيرها، وبعثت النساء ما قدرن عليه من أساور وخلاخل وأقراط وخواتم، ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهم البكاءون، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم، سالم بن عمير من بني عمرو بن عوف، وعلبة بن زيد أخو بني حارثة، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب أخو بني مازن بن النجار، وعمرو بن حمام بن الجموح أخو بني سلمة، وعبد الله بن المغفل المزني، وهرمي بن عبد الله أخو بني واقف، وعرباض بن سارية الفزارى، فطلبوا من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يحملهم، أي يوفر لهم دابة يجاهدون عليها، وكانوا أهل حاجة، فقال: "لا أجد ما أحملكم عليه"، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا، ألا يجدوا ما ينفقون.
وحدث بعد ذلك أن ابن يامين بن عمير بن كعب النضرى لقي أبا ليلى عبد الرحمن بن كعب وعبد الله بن مغفل، وهما يبكيان فقال: ما يبكيكما؟ قالا: جئنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه، فأعطاهما ناقة له فارتحلا عليها، وزودهما شيئا من تمر، فخرجا مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال