تسجيل الدخول

استعداد قريش لمعركة ناقمة
تحرك جيش المشركين
الاستخبارات النبوية تكشف حركة العدو
النبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه لوضع خطة الدفاع
خروج الجيش الإسلامي إلى ساحة القتال
تكوين الجيش الإسلامي ورفض مساعدة اليهود
النبي صلى الله عليه وسلم يستعرض الجيش
تمرد عبد الله بن أبي وأصحابه
النبي صلى الله عليه وسلم يرسم خطة المعركة
أبو دجانة
تعبئة الجيش المكي
قريش تحاول إيقاع الفرقة في صفوف المسلمين
نسوة قريش يحمسن جيش المشركين
بداية المعركة
إبادة حملة لواء المشركين
شجاعة أبي دجانة
مصرع أسد الله حمزة بن عبد المطلب
من أحضان المرأة إلى مقارعة السيوف
فصيلة الرماة تقوم بواجبها
الهزيمة تنزل بالمشركين
غلطة الرماة الفظيعة
خالد بن الوليد يقوم بخطة تطويق الجيش الإسلامي
موقف الرسول الباسل إزاء عمل التطويق
تفرق المسلمين وإشاعة مقتل الرسول صلى الله عليه وسلم
أحرج اللحظات في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم
تجمع الصحابة حول الرسول صلى الله عليه وسلم
تضاعف ضغط المشركين
البطولات النادرة
الرسول صلى الله عليه وسلم يواصل المعركة وينقذ الموقف
مقتل أبي بن خلف
آخر هجوم قام به المشركون
تمثيل المشركين بشهداء المسلمين
النساء المسلمات في ساحة القتال
حديث الكفر والإيمان بين أبي سفيان وعمر بن الخطاب
التثبت من موقف المشركين
تفقد القتلى والجرحى
جمع الشهداء ودفنهم
الرسول صلى الله عليه وسلم يثني على ربه عز وجل ويدعوه
الرجوع إلى المدينة ونوادر الحب والتفاني
غزوة حمراء الأسد
غزوة حمراء الأسد

بات المسلمون في المدينة ــ ليلة الأحد الثامن من شهر شوال سنة ثلاث من الهجرة بعد الرجوع عن معركة أحد ــ وهم في حالة طوارئ، باتوا وقد أَنْهَكَهُم التعب، يحرسون أنقابَ المدينة ومداخلها، ويحرسون قائدهم الأعلى رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم خاصة، إذ كانت تتلاحقهم الشُّبهات من كل جانب.
وبات الرسولُ صَلَّى الله عليه وسلم، وهو يفكر في الموقف، فقد كان يخاف أنَّ المشركين إنْ فكروا في أنهم لم يستفيدوا شيئًا من الجولة التي كسبوها في ساحة القتال، فلابدَّ من أن يندموا على ذلك، ويرجعوا من الطريق لغزو المدينة مرةً ثانية، فصمم على أن يقومَ بعملية مطاردة للجيش المكي.
قال أهلُ المغازي ما حاصله: أنَّ النبي صَلَّى الله عليه وسلم نادى في الناس، وحثهم على المسير إلى لقاء العدو، وذلك صباح الغد من معركة أحد، أي: يوم الأحد الثامن من شهر شوال سنة ثلاث من الهجرة، وقال: "لا يخرجُ معنا إلا من شهد القتال"، فقال له عبد الله بن أبي: أركب معك؟ قال: "لا"، واستجاب له المسلمون على ما بهم من الجُرح الشديد، والخوف المزيد، وقالوا: سمعًا وطاعة، واستأذنه جابرُ بن عبد الله، وقال: يا رسول الله، إني أحبُ أن لا تشهد مشهدًا إلا كنتُ معك، وإنما خَلَّفني أبي على بناته، فأذنْ لي أسير معك، فأذنَ له.
وسار رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم والمسلمون معه، حتى بلغوا حمراء الأسد، على بعد ثمانية أميالٍ من المدينة فعسكروا هناك، وهناك أقبل مَعْبَدُ بن أبي معبد الخزاعي إلى رسولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان على شركه، ولكنَّه كان ناصحًا لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لما كان بين خزاعةَ وبني هاشم من الحِلف، فقال: يا محمد، أما والله لقد عزَّ علينا ما أصابك في أصحابك، ولوَدِدْنَا أن الله عافاك، فأمره رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يلحق أبا سفيان فَيُخَذِّلَه (أي يخوفه ويثنيه عن عزمه).
ولم يكن ما خافه رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم من تفكير المشركين في العودة إلى المدينة إلَّا حقا، فإنهم لما نزلوا بالرَّوْحاء على بعد ستة وثلاثين ميلا من المدينة تلاوموا فيما بينهم، وقال بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئا، أصبتم شوكتهم وحَدَّهُم، ثم تركتموهم، وقد بقيَ منهم رءوسٌ يجمعون لكم، فارجعوا حتى نستأصلَ شأفتهم (أي نقضي عليهم).
ويبدو أن هذا الرأي جاء سطحيًا ممن لم يكن يقدر قوة الفريقين، ومعنوياتهم تقديرًا صحيحا، ولذلك خالفهم زعيم مسئول "صفوانُ بن أمية" قائلا: يا قوم، لا تفعلوا، فإني أخاف أن يجمع عليكم من تخلف من الخروج (أي من المسلمين في غزوة أحد)، فارجعوا والدولة لكم (أي الغلبة) فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم، إلَّا أن هذا الرأي رفض أمام رأي الأغلبية الساحقة، وأجمعَ جيش مكة على المسير نحو المدينة، ولكن قبل أن يتحرك أبو سفيان بجيشه من مقره، لحقه معبد بن أبي معبد الخزاعي، فقال: ما وراءك يا معبد؟ فقال معبدــ وقد شن عليه حرب أعصاب دعائية عنيفة ــ محمدٌ قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما ضيعوا، فيهم من الحنق (أي الغيظ) عليكم شيء لم أر مثله قط، قال أبو سفيان: ويحك، ما تقول؟ قال: والله ما أرى أن ترتحل حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة (الأكمة: المكان المرتفع، ويقصد سرعة قدوم جيش المسلمين)، فقال أبو سفيان: والله لقد أجمعنا الكرة (أي اعتزمنا الرجوع) عليهم لنستأصلهم، قال: فلا تفعل: فإني ناصح.
وحينئذٍ انهارت عزائم الجيش المكي وأخذه الفزع والرعب، فلم يرَ العافية إلا في مواصلة الانسحاب والرجوع إلى مكة، لكنْ أبو سفيان قام بحرب أعصاب دعائية ضد الجيش الإسلامي لعله ينجح في كف هذا الجيش عن مواصلة المطاردة، وبالتالي ينجحُ في الاجتناب عن لقائه، فقد مرَّ به ركبٌ من عبد القيس يريد المدينة، فقال: هل أنتم مبلغون عني محمدًا رسالةً وأوقِّر (أي أملأ) لكم راحلتكم هذه زبيبًا بعكاظ إذا أتيتم إلى مكة؟، قالوا: نعم، قال: فأبلغوا محمدًا أنا قد أجمعنا الكرة؛ لنستأصله ونستأصلَ أصحابه.
فمرَّ الركب برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم بحمراء الأسد، فأخبروهم بالذي قاله أبو سفيان، وقالوا: إنَّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزاد هذا القولُ المسلمينَ حماسةً وإيمانا {وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لََّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}.[آل عمران: 173ــ 174].
أقام رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بحمراءِ الأسد أيام: الاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، التاسع، والعاشر، والحادي عشر من شوال سنة ثلاث من الهجرة، ثم رجع إلى المدينة، وأخذ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قبل الرجوع إلى المدينة أبا عزة الجُمَحِي ــ وهو الذي كان قد من عليه من أسارى بدر؛ لفقره وكثرة بناته، على أن لا يعادي عليه أحدا، ولكنه نكث وغدر فحرض الناس بشعره على النبي صَلَّى الله عليه وسلم والمسلمين، وخرج لمقاتلتهم في أحد ــ فلما أخذه رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: يا محمد أقلني (أي اعف عني)، وامنن علي، ودعني لبناتي، وأعطيكَ عهدًا أن لا أعود لمثل ما فعلت، فقال صَلَّى الله عليه وسلم: "لا تمسحُ عارضيك بمكة بعدها، وتقول: خدعتُ محمدًا مرتين لا يُلْدَغُ المؤمنُ من جحرٍ مرتين" (العارضان: جانبا الوجه، والمراد أنه يقول باستخفاف واستهزاء)، ثم أمر عاصمَ بن ثابت فضربَ عنقه، كما حكمَ بالإعدام في جاسوس من جواسيس مكة، وهو معاويةُ بن المغيرة بن أبي العاص جدُ عبد الملك بن مروان لأمه، وذلك أنه لما رجعَ المشركون يوم أحد جاء معاوية هذا إلى ابن عمه عثمان بن عفان رضي الله عنه، فاستأمنَ له عثمان رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم فأمَّنه على أنه إن وُجِدَ بعد ثلاثة أيام قتله، فلما خلت المدينةُ من الجيش الإسلامي أقام فيها أكثر من ثلاث يتجسسُ لحساب قريش، فلمَّا رجع الجيش خرج معاويةُ هاربًا، فأمر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم زيدَ بن حارثة، وعمار بن ياسر فتعقباه حتى قتلاه.
ومما لا شك فيه أن غزوةَ حمراء الأسد ليست بغزوةٍ مستقلة، إنما هي جزءٌ من غزوة أحد وتتمةٌ لها، وصفحةٌ من صفحاتها.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال