أبو بكر الصديق بن أبي قحافة
روى الأَصْمَعِي قال: كان أَبو بكر إِذا مُدِحَ قال: "اللهم أَنت أَعلم بي من نفسي، وأَنا أَعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون".
وروى أَبو صالح الغفاري أَن عمر بن الخطاب كان يتعاهد عَجُوزًا كبيرة عمياء، في بعض حواشي المدينة من الليل، فيستقي لها، ويقوم بأَمرها، فكان إِذا جاءَ وجد غيره قد سبقه إِليها، فأَصلح ما أَرادت، فجاءها غير مرة كُلًّا يُسْبَقُ إِليها، فرصده عمر؛ فإِذا هو بأَبي بكر الصديق الذي يأْتيها، وهو يومئذ خليفة، فقال عمر: أَنت هو لَعَمْري!.
وروى حُبَيْب بن عبد الرحمن أنه سمع عمته أُنَيْسة قالت: نزل فينا أَبو بكر ثلاث سنين: سنتين قبل أَن يُسْتَخلف، وسنة بعدما استُخْلِفَ فكان جَوَارِي الحيِّ يأْتينه بغنمهن، فيحلِبُهُنَّ لهن.
وروى نافع، عن ابن عمر قال: بويع أَبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم الاثنين، لاثنتي عشرة ليلةً خلت من ربيع الأَول، سنة إِحدى عشرة وكان منزله بالسُّنْحِ عند زوجته حَبِيبة بنت خارجة بن زيد بن أَبي زهير، من بني الحارث بن الخزرج، وكان قد حجر عليه حُجْرة من شَعْر، فما زاد على ذلك حتى تحول إِلى المدينة، وأَقام هناك بالسُّنْح بعد ما بويع له سبعة أَشهر، يَغْدُو على رِجْلَيه، وربما ركب على فرس له، فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس، فإِذا صلى العشاءَ الآخرة رجع إِلى أَهله، وكان يحلب للحَيِّ أَغنامهم، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا مَنَائِحنا، فسمعها أَبو بكر فقال: بلى، لَعَمْرِي لأَحلبنَّها لكم، وإِني لأَرجو أَن لا يغيرني ما دخلتُ فيه عن خُلُق كنتُ عليه، فكان يحلب لهم، فربما قال للجارية: أَتحبين أَن أَرْغِيَ لك أَو أَن أُصَرِّح؟ فربما قالت: أَرغ، وربما قالت صَرِّح، فأيّ ذلك قالت فعل.