1 من 2
عبد الله بن عثمان بن عامر بن عَمْرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التميمي، أبو بكر الصديق بن أبي قحافة، خليفة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
أمُّه أم الخير سلمى بنت صَخْر بن عامر ابنة عم أبيه.
ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر.
أخرج ابن البَرْقِيّ مِنْ حديث عائشة: تذاكر رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم وأبو بكر ميلادَهما عندي، فكان النبي صَلَّى الله عليه وسلم أكبر.(*)
وصحب النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قبل البعثة، وسبق إلى الإيمان به، واستمرَّ معه طولَ إقامته بمكة، ورافقه في الهجرة، وفي الغارِ، وفي المشاهد كلها إلى أن مات؛ وكانت الرايةُ معه يوم تبوك؛ وحجَّ في الناس في حياةِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم سنة تسع، واستقرّ خليفةً في الأرض بعده، ولقّبه المسلمون خليفةَ رسولِ الله.
وقد أسلم أبوه، وروى عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم.
وروى عنه عمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس، وحذيفة، وزيد بن ثابت، وعقبة بن عامر، ومعقل بن يسار، وأنس، وأبو هريرة، وأبو أمامة، وأبو بَرْزَة، وأبو موسى، وابنتاه: عائشة، وأسماء، وغيرهم من الصحابة.
وروى عنه من كبار التابعين الصُّنَابحي، ومُرّة بن شَراحيل الطيّب، وأَوْسط البَجلي، وقيس بن أبي حازم، وسُوَيد بن غَفَلة، وآخرون.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حدثني صالح بن موسى، حدثنا معاوية بن إسحاق، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين، قالت: اسم أبي بكر الذي سماه به أهلُه عبد الله، ولكن غلب عليه اسمُ عَتِيق.
وَفِي "المعرفة" لابْنِ مَنْدَه: كان أبيضَ نحيفًا، خفيفَ العارِضَيْن، معروقَ الوجه، ناتئ الجبهة، يخضّب بالحنّاء والْكَتَم.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيّ، وأسنده الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ عنه بسندٍ له إلى عائشة.
وأخرج ابنُ أبي الدنيا، عن الزّهري: كان أبيض لطيفًا جَعْدًا مشرف الوركين.
وأخرج أبو يعلى، عن سُويد بن غَفَلة، عن صالح بن موسى بهذا السند إلى عائشة، قالت: كان رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم وأصحابه بفناء البيت إذ جاء أبو بكر، فقال النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلى عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ فَلْيَنْظَرِ إلى أَبِي بَكْرٍ"(*) أخرجه الحاكم في المستدرك 3/61 ـــ62، وأورده ابن حجر في المطالب العالية حديث رقم 3896، والمتقي الهندي في كنز العمال حديث رقم 32617.، فغلب عليه اسْمُ عَتيق.
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَنْدَه، من طريق عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، عن أبيه، قال: سألتُ عائشة عن اسم أبي بكر، فقالت: عبد الله. فقلت: إنَّ الناس يقولون عتِيق؟ قالت: إن أبا قُحافة كان له ثلاثة أولاد فسمَّى واحدًا عَتِيقًا، والثاني معتقًا، والثالث عُتَيقًا؛ أي بالتصغير.
وفي السند ابن لهيعة.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أنبأنا معمر، عن محمد بن سيرين، قال: كان اسم أبي بكر عتيق ابن عثمان.
وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، وابن أبي الدنيا، مِن طريق ابن أبي مُليكة: كان اسم أبي بكر عبد الله، وإنما كان عتيق لقبًا.
وفي "المعرفة" لأبِي نُعَيْمٍ، مِنْ طريق الليث: سُمِّي أبو بكر عتيقًا لجماله.
وذكر عباسُ الدُّورِيُّ، عن يحيى بن جعفر، نحوه.
وفي تاريخ الفضل بن دُكين: سمي عَتِيقًا لأنه قديم في الخير.
وقال الفلاس في تاريخه: سمي عتيقًا لعتاقة وَجْهه.
وأخرج الدُّولابي في الْكُنَى، وابن منده، مِنْ طريق عيسى بن موسى بن طلحة، عن أبيه، عن جده: كانت أمّ أبي بكر لا يعيش لها وَلد، فلما ولدته استقبلت به البيت، فقالت: اللهم إن هذا عتيقك من الموت، فهَبْهُ لي.
وَقَالَ مُصْعَبُ الزُّبَيْرِيُّ: سمي عَتِيقًا لأنه لم يكن في نسبه شيء يُعَاب به.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: كان أنسب العرب. وَقَالَ العِجْلِيُّ: كان أعلم قريش بأنسابها. وقال ابن إسحاق في السيرة الكبرى: كان أبو بكر رجلًا مؤلفًا لقومه محببًا سهلًا، وكان أنْسَب قريش لقريش، وأعلمهم مما كان منها مِن خير أو شر، وكان تاجرًا ذا خُلق ومعروف، وكانوا يألَفونَه لعلمه وتجاربه وحُسْنِ مجالسته. فجعل يدعو إلى الإسلام مَنْ وَثق به، فأسلم على يديه عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عَوْف.
وَفِي "تاريخ" محمد بن عثمان بن شيبة، عن سالم بن أبي الجعد: قلت لمحمد بن الحنفية: لأي شيء قُدم أبو بكر حتى لا يذكر فيهم غيره؟ قال: لأنه كان أفضلهم إسلامًا حين أسلم؛ فلم يزل كذلك حتى قبضه الله.
وأخرج أبو داود في "الزُّهْدِ" بسندٍ صحيح عن هشام بن عروة: أخبرني أبي، قال: أسلم أبو بكر وله أربعون ألف درهم. قال عروة: وأخبرتني عائشة أنه مات وما ترك دينارًا ولا دِرْهمًا.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي تَارِيخِهِ: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا هشام، عن أبيه: أسلم أبو بكر وله أربعون ألفًا فأنفقها في سبيل الله، وأعتق سبعةً كلهم يعذّب في الله: أعتق بلالًا، وعامر بن فُهيرة، وزنيرة، والنهدية وابنتها، وجارية بني المؤمل، وأم عُبَيس.
وفي المجالسة للدينوري مِن طريق الأصمعي: أعتق سبعة، فذكرهم؛ لكن قال: وأم عُبَيس، وجارية بن عمرو بن المؤمل.
وَقَالَ مُصْعَبُ الزُّبَيْرِيّ: حدثنا الضحاك بن عثمان، عن ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أعتق أبو بكر... فذكر كالأول، ولكن قال: وأم عُبَيس، وجارية بن المؤمل.
وأخرج مِنْ طريق أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه: كان أبو بكر معروفًا بالتجارة، ولقد بُعث النبيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وعنده أربعون ألفًا فكان يعتق منها ويَعُول المسلمين حتى قدم المدينة بخمسة آلاف، وكان يفعل فيها كذلك. وأخرجه ابن الأعرابي في "الزهد" بسندٍ آخر إلى ابن عمر نحوه. وأخرج الدارقُطْني في "الأفراد" منْ طريق أبي إسحاق عن أبي يحيى قال: لا أحصي كم سمعتُ عليًا يقول على المنبر: إن الله عز وجل سَمَّى أبا بكر على لسان نبيه صَلَّى الله عليه وسلم صِدّيقًا.
ومناقب أبي بكر رضي الله عنه كثيرة جدًّا، وقد أفرده جماعة بالتصنيف، وترجَمَتُه في تاريخ ابن عساكر قَدْر مجلدة؛ ومن أعظم مناقبه قول الله تعالى: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] فإنَّ المراد بصاحبه أبو بكر بلا نِزَاع؛ إذ لا يعترض لأنه لم يتعين، لأنه كان مع النبي صَلَّى الله عليه وسلم في الهجرة عامر بن فُهيرة، وعبد الله بن أبي بكر، وعبد الله بن أرَيقط الدليل، لأنا نقول: لم يصحَبْه في الغار سوى أبي بكر لأن عبد الله بن أبي بكر استمرَّ بمكة، وكذا عامر بن فُهيرة، وإن كان تردُّدهم إليهما مدة لُبْثهما في الغار استمرت لعبد الله مِنْ أجل الإخبار بما وقع بعدهما، وعامر بسبب ما يقوم بغذائهما من الشياه؛ والدليلُ لم يصحبهما إلا من الغار؛ وكان على دين قومه مع ذلك كما في نفس الخبر.
وقد قيل: إنه أسلم بعد ذلك وثبت في الصحيحين، من حديث أنس أنَّ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وهما في الغار: "مَا ظنُّكَ باثْنَيِن الله ثَالِثْهُمَا"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 5/4، 6/83. ومسلم في الصحيح 4/1854، كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه (1). حديث رقم (1/2381)، وأحمد في المسند 1/4، وابن أبي عاصم في السنة 2/576 . والأحاديث في كونه كان معه في الغار كثيرة شهيرة، ولم يشركه في هذه المَنْقَبة غيره.
وعند أحمد، من طريق شَهْر بن حَوْشب، عن أبي تميم أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعُمر: "لَو اجْتَمَعْتُمَا فِي مَشُورَةٍ مَا خَالَفْتُكُمَا".(*)
وأخرج الطبراني، من طريق الوَضِين بن عطاء، عن قتادة بن نُسَي، عن عبد الرحمن بن تميم، عن معاذ بن جبل ـــ أنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لما أراد أن يُرْسل معاذًا إلى اليمن استشار؛ فقال كلٌّ برأيه، فقال: "إنَّ الله يَكْرَهُ فَوقَ سَمَائِه أنْ يُخَطَّأَ أبُو بَكْرٍ".(*)
وعند أبي يَعْلَى، من طريق أبي صالح الحيثي، عن علي، قال: قال لي رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم بَدْر ولأبي بكر: "مَعَ أحدِكُمَا جِبرَائِيلُ، وَمَعَ الآخَرِ مِيكَائِيلُ وَإسْرَافِيلُ مَلَكٌ عَظِيمٌ يَشَهدُ الْقِتَالَ"(*).
وفي الصحيح عن عَمْرو بن العاص: قلت يا رسول الله: أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: "عَائِشَةُ". قلت: من الرجال؟ قال: "أبُوهَا". قلت: ثم مَنْ؟ فذكر رجالًا.(*)
وأخرج الترمذِيُّ والْبَغَويُّ والبَزَّارُ جميعًا عن أبي سعيد الأشجّ، عن عقبة بن خالد، عن شعبة، عن الجُريري، عن أبي نَصْرة، عن أبي سعيد الخُدري، قال: قال أبو بكر: ألست أوَّل من أسلم؟ ألست أحقّ بهذا الأمر؟ ألست كذا؟ ألست كذا؟ رجاله ثقات؛ لكن قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ: تفرد به عقبة بن خالد. ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة، فلم يذكر أبا سعيد. قال الترمذي: وهو أصح.
وَأخْرَجَ البَغَوِيُّ، من طريق يوسف بن الماشجون: أدركت مشيختنا: ابن المنكدر، وربيعة، وصالح بن كَيْسان، وعثمان بن محمد، لا يشكون أنّ أبا بكر أوّلُ القوم إسلامًا.
وَأخْرَجَ البَغَوِيُّ بسندٍ جيّدٍ عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر، قال: وَلِينا أبو بكر فخير خليفة أرحم بنا وأحناه علينا. وقال إبراهيم النخعي: كان يسمى الأوَّاه لرأفته.
وقال ميمون بن مهران: لقد آمن أبو بكر بالنبي صَلَّى الله عليه وسلم مِنْ زمن بَحِيرا الراهب. واختلف بينه وبين خديجة حتى تزوجها، وذلك قبل أن يُولد عليّ.
وَقَالَ الْعَسْكَرِيُّ: كانت تساقُ إليه الأشناق في الجاهلية، وهي الديات التي يتحملها ممن يتقرّب لذلك من العشيرة، فكان إذا حمل شيئًا من ذلك فسأل فيه قُريشًا مدحوه وأمضوا إليه حمالته؛ فإن احتملها غيره لم يصدقوه.
ومن أعظم مناقب أبي بكر أن ابن الدُّغُنَّة سيد القارة لما ردّ إليه جِوَاره بمكة وصفه بنظير ما وصفَتْ به خديجةُ النبي صَلَّى الله عليه وسلم لما بعث، فتواردا فيهما على نعتٍ واحد من غير أن يتواطآ على ذلك؛ وهذا غايةٌ في مَدْحه؛ لأن صفات النبي صَلَّى الله عليه وسلم منذ نشأ كانت أكْمَلَ الصفات، وقد أطنب أبو القاسم بن عساكر في ترجمة الصديق حتى إن ترجمته في تاريخه على كبره تجيء قَدْر ثُمْن عشره، وهو مجلد من ثمانين مجلدًا.
وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ من طريق الزهري أنَّ أبا بكر والحارث بن كلدة أكلا خِزَيرة أهديِت لأبي بكر، وكان الحارث طبيبًا، فقال لأبي بكر: ارْفَع يدك، والله إن فيها لسم سنة، فلم يزالاَ عليلين حتى ماتا عند انقضاء السنة في يوم وَاحد.
وكانت وفاته يوم الاثنين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشر مِنَ الهجرة، وهو ابنُ ثلاث وستين سنة.
ومِنَ الأوهام ما أخرجه البَغَوِيُّ عن علي بن مسلم، عن زياد البَكَّائِي، عن محمد بن إسحاق، قال: كانت خلافةُ أبي بكر سنتين وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يومًا، تُوفيّ في جمادى الأولى.
وهذا غلط إما في المدة وإما في الشهر، فمن ذلك ما أخرجه من طريق اللَّيث، قال: مات أبو بكر لليلةٍ خلت من ربيع الأول. وقال البغوي: حدثنا محمد بن بكار، حدثنا أبو معشر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، وعن عمر مولى عفرة، وعن محمد بن بَزِيغ: تُوفّي أبو بكر لثمان بقين من جمادى الآخرة.
قُلْتُ: وهذا يطابقُ المدة التي في رواية ابن إسحاق. ويخلص الوَهْم إلى الشهر.
(< جـ4/ص 144>)
2 من 2
أبو بكر الصديق بن أبي قحافة: اسمه عبد الله. وقيل عتيق بن عثمان. تقدم.
(< جـ7/ص 38>)