تسجيل الدخول


أبو بكر الصديق بن أبي قحافة

روت عائشة قالت: لما وليَ أبو بكر قال: قد عَلِمَ قومي أنّ حِرْفَتي لم تكن لتعجِزَ عن مَئُونَةِ أهْلي، وقد شُغِلْتُ بأمْرِ المُسلمين، وسأحْتَرِفُ للمسلمين في مالهم، وسيأكُلُ آلُ أبي بكر من هذا المال.
وروى محمّد بن هلال، عن أبيه، أنّ أبا بكر الصّدّيق كان له بيتُ مال بالسُّنح معروف ليس يَحْرِسُه أحَدٌ، فقيل له: يا خليفة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ألا تَجْعَلُ على بيت المال مَنْ يحرسه؟ فقال: لا يُخافُ عليه، قلت: لِمَ؟ قال: عَلَيْهِ قُفْلٌ، قال: وكان يُعطي ما فيه حتّى لا يبقى فيه شيءٌ، فلمّا تَحَوّل أبو بكر إلى المدينة حَوّله فجعل بيتَ ماله في الدّار التي كان فيها، وكان قَدِمَ عليه مالٌ من مَعْدِنِ القَبَليّةِ، ومن معادن جُهينة كثير، وانفتح معدن بني سُليم في خلافة أبي بكر فَقُدِمَ عليه منه بصَدَقَته فكان يوضعُ ذلك في بيت المال، فكان أبو بكر يَقْسِمُه على النّاس نُقَرًا نُقَرًا فيصيب كل مائة إنسان كذا وكذا، وكان يُسَوّي بين النّاس في القَسْم الحُرّ والعَبْد، والذَّكَر والأُنثى، والصغير والكبير فيه سواءٌ، وكان يشتري الإبلَ والخَيلَ والسلاحَ فيَحمِلُ في سبيل الله، واشترى عامًا قطائفَ أتى بها من البادية ففَرقَها في أرامل أهل المدينة في الشتاء، فلمّا توفي أبو بكر ودُفِنَ دعا عمر بن الخطّاب الأمناء ودخلَ بهم بيتَ مال أبي بكر ومعه عبد الرّحمن ابن عوف، وعثمان بن عفّان وغيرهما، ففتحوا بيت المال فلم يجدوا فيه دينارًا ولا درهمًا ووجدوا خَيْشة للمال فَنُفِضَتْ فوجدوا فيها درهمًا فرحّموا على أبي بكر، وكان بالمدينة وَزَّانٌ على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان يزن ما كان عند أبي بكر من مال، فسُئل الوزّان كم بَلَغَ ذلك المال الذي وَرَدَ على أبي بكر؟ قال: مائتي ألف.
وروى عروة، عن عائشة قالت: لما حضر أبا بكر الوفاة جلس فتشهّد ثمّ قال: أمّا بعدُ يا بُنيّة فإنّ أحَبّ النّاسِ غِنًى إليّ بعدي أنْتِ، وإنّ أعَزّ النّاسِ عليّ فَقرًا بعدي أنْتِ، وإنّي كنتُ نَحَلْتُكِ جدادَ عشرين وسقًا من مالي، فوَدِدْتُ واللهِ أنّكِ حُزْته وأخذته فإنّما هو مال الوارث وهما أخَواكِ وأخْتاكِ، قالت: قلتُ: هذا أخَوَايَ فمَنْ أُخْتايَ؟ قال: ذات بَطْنِ ابنْةِ خارجةَ فإنّي أظُنّها جاريةً.
وروى محمّد بن الأشعث أنّ أبا بكر الصّدّيق لمّا أنْ ثقُل قال لعائشة: إنّه ليس أحدٌ من أهلي أحَبّ إليّ منك، وقد كنتُ أقْطَعْتُكِ أرْضًا بالبحرَين ولا أراك رَزَأتِ منها شيئًا، قالت له: أجَلْ، قال: فإذَا أنا مِتّ فابْعَثي بهذه الجارية، وكانت تُرْضعُ ابْنَه، وهاتَين اللِّقْحَتَين وحالبهما إلى عُمَرَ، وكان يسقي لَبَنَهما جُلساءَه، ولم يكن في يده من المال شَيءٌ، فلمّا مات أبو بكر بعثت عائشة بالغلام واللقحتين والجارية إلى عمر فقال عمر: يرحم الله أبا بكر لقد أتْعَبَ من بعده، فقَبل اللقحتين والغلام وردّ الجارية عليهم.
روت عائشة قالت: لمّا حُضِرَ أبو بكر قلتُ كلمةً من قول حاتم:
لَعمرُكَ ما يُغني الثراءُ عن الفَتى إذا حشرَجتْ يوْمًا وضاقَ بها الصدرُ
فقال: لا تقولي هكذا يا بُنيّة ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [سورة ق: 19]، انْظُروا مُلاءَتَيّ هاتَيْنِ فإذا مِتّ فاغسِلوهما وكفّنوني فيهما فإنّ الحيّ أحوْج إلى الجديد من الميّت.
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال