تسجيل الدخول


أبو بكر الصديق بن أبي قحافة

1 من 1
أبو بكر الصّدّيق، عليه السلام

واسمه عبد الله بن أبي قُحافة، واسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم بن مُرّة، وأمّه أمّ الخير واسمُها سَلْمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة، وكان لأبي بكر من الولد عبدُ الله وأسْماء ذات النّطاقين وأمّهما قُتيلة بنت عبد العُزّى بن عبد أسعد بن نضر بن مالك بن حِسْل بن عامر بن لُؤيّ، وعبد الرّحمن وعائشة وأمّهما أمّ رومان بنت عامر بن عُويمر بن عبد شمس بن عتّاب بن أذينة بن سُبيع ابن دُهمان بن الحارث بن غَنْم بن مالك بن كنانة، ويقال بل هي أمّ رومان بنت عامر بن عُميرة بن ذُهْل بن دُهْمان بن الحارث بن غَنْم بن مالك بن كنانة، ومحمّد بن أبي بكر وأمّه أسماء بنت عُميس بن مَعْد بن تيم بن الحارث بن كعب بن مالك بن قُحافة بن عامر بن مالك بن نَسْر بن وَهْب الله بن شَهْران بن عِفْرِس بن حَلِف بن أفْتَل، وهو خَثْعَم، وأمّ كلثوم بنت أبي بكر وأمّها حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج وكانت بها نَسْأً فلمّا توفّي أبو بكر وَلدت بعده.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا إسحاق بن يحيَى بن طلحة عن معاوية بن إسحاق بن طلحة عن أبيه عن عائشة أنها سُئلت، لِمَ سُمّي أبو بكر عتيقًا؟ فقالت: نَظَرَ إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: "هذا عتيق الله من النّار".(*)

قال: وأما محمّد بن إسحاق فقال: أبو قُحافة كان اسمه عتيقًا، ولم يذكر ذلك غيره.

قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا المعافى بن عمْران قال: أخبرنا مغيرة بن زياد قال: أرسلتُ إلى ابن أبي مُليكة أسأله عن أبي بكر الصّدّيق ما كان اسمه قال: فأتيته فسألته فقال: كان اسمه عبد الله بن عثمان وإنما كان عتيق كذا وكذا يعني لقبًا.

قال: أُخبرتُ عن عبد الرزّاق بن همّام عن معمر عن ابن سيرين قال: اسم أبي بكر عتيق بن عثمان.

قال: أخبرنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا صالح بن موسى الطّلحي قال: حدّثني معاوية بن إسحاق عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أمّ المؤمنين قالت: إنّي لفي بيت رسول الله وأصحابه في الفِناء وبيني وبينهم السّتْرُ إذ أقبل أبو بكر فقال رسول الله: "مَنْ سَرّه أن ينظر إلى عتيقٍ من النّار فلينظر إلى هذا"، قالت: وإنّ اسمه الذي سمّاه به أهلهُ لعبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو لكن غلب عليه عتيق.(*)

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو معشر قال: أخبرنا أبو وَهْب مولى أبي هُريرة أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال ليلةَ أُسْرِيَ به: "قلتُ لجبريل إنّ قومي لا يُصَدّقونني"، فقال له جبريل: يُصَدّقك أبو بكر وهو الصّدّيق.(*)

قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا قُرّة بن خالد قال: أخبرنا محمّد بن سيرين عن عُقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أبو بكر سمّيتموه الصّدّيق وأصَبْتُم اسمه.

قال: أخبرنا قَبيصة بن عُقبة قال: أخبرنا سُفيان عن أبي الجحّاف عن مُسلم البطين قال:

أَنَّـــى نُعَاتِـبُ لا أبــا لك عُصْبَةً عَلَقوا الفِرى وبَرَوْا من الصّدّيقِ

وبَرَوْا سفاهًا من وزيــر نبيّهــم تَبــــًّا لمـــــنْ يَبْـرا مِـنَ الفــــــاروقِ

إنــي علــى رَغْـمِ العُـداةِ لقائـــلٌ دانا بِدِيـنِ الصّــــادقِ المصـدوقِ

أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا عبد الواحد بن زياد قال: أخبرنا الحسن بن عُبيد الله قال: أخبرنا إبراهيم النخعيّ قال: كان أبو بكر يسمّى الأوّاه لرأفته ورحمته.

قال: أخبرنا سعيد بن محمّد الثقفي عن كثير النّوّاء عن أبي سَرِيحة: سمعتُ عليًّا، عليه السلام، يقول على المنبر ألا إنّ أبا بكر أَوَّاهٌ مُنيب القلب، ألا إنّ عُمَرَ ناصحَ الله فَنَصَحَه.

ذِكر إسلام أبي بكر، رحمه الله

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني موسى بن محمّد عن إبراهيم بن محمّد بن طلحة قال: وحدّثني منصور بن سلمة بن دينار عن محمّد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي بكر عن أبيه قال: وحدّثني عبد الملك بن سليمان عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن قال: وحدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرَة عن صالح بن محمّد عن زائدة عن أبي عبد الله الدّوْسيّ عن أبي أرْوَى الدّوْسيّ قالوا: أوّلُ من أسلم أبو بكر الصّدّيق.

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا شعبة عن عمرو بن مُرّة عن إبراهيم قال: أوّل من صلّى أبو بكر الصّدّيق.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر، حدّثني موسى بن محمّد بن إبراهيم عن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أسلم أبي أوّل المسلمين ولا والله ما عقلت أبي إلا وهو يَدينُ الدّينَ.

أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني معمر ومحمّد بن عبد الله عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة قالت: ما عَقَلْتُ أبَوَيّ إلا وهما يدينان الدين وما مرّ علينا يومٌ قط إلا ورسول الله يأتينا فيه بُكرة وعشيّة.(*)

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا أبو عَوانة عن مغيرة عن عامر قال: قال رجل لبلال: من سَبَقَ؟ قال: محمّد، قال: من صلّى؟ قال: أبو بكر، قال: قال الرجل إنّما أعني في الخيل، قال بلال: وأنا إنّما أعني في الخير.

قال: أخبرنا أبو أسامة حمّاد بن سلمة عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي قال: أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف درهم.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أُسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كان أبو بكر معروفًا بالتجارة، لقد بُعث النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وعنده أربعون ألف درهم فكان يُعتق منها ويُقوّي المسلمين حتى قَدِمَ المدينة بخمسة آلاف درهم ثمّ كان يفعل فيها ما كان يفعل بمكّة.

ذِكر الغار والهجرة إلى المدينة

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال لأبي بكر الصّدّيق: "قد أُمِرْتُ بالخروج"، يعني الهجرة، فقال أبو بكر: الصّحْبَةَ يا رسول الله، قال: "لك الصحبة". قال: فخرجا حتّى أتيا ثورًا فاختبيا فيه فكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بخبر أهل مكّة باللّيل ثمّ يصبح بين أظهرهم كأنّه بات بها، وكان عامر بن فُهيرة يرعى غنمًا لأبي بكر فكان يريحها عليهما فيشربان من اللبن، وكانت أسماء تجعل لهما طعامًا فتبعث به إليهما فجعلت طعامًا في سُفْرَةٍ فلم تجد شيئًا تربطها به فقطعت نطاقها فربطتها به فسُمّيَت ذات النّطاقَين. قال ثمّ قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إني قد أُمِرْتُ بالهجرة". وكان لأبي بكر بعير، واشترى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بعيرًا آخر فركب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بعيرًا وركب أبو بكر بعيرًا وركب آخر فيما يعلم حمّادٌ عامرُ بن فُهيرة بعيرًا، فكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يَثْقُلُ على البعير فيتحَوّل رسول الله على بعير أبي بكر، ويتحوّل أبو بكر إلى بعير عامر بن فُهيرة، ويتحوّل عامر بن فُهيرة إلى بعير رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فيُثْقَلُ بعير أبي بكر حين يَرْكَبُه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال: فاستقبلتهما هَدِيّةٌ من الشأم من طلحة بن عُبيد الله إلى أبي بكر فيها ثياب بياض من ثياب الشأم فلبساها فدخلا المدينة في ثياب بياض.(*)

قال: أخبرنا أبو أُسامة قال: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أنّ عبد الله بن أبي بكر كان الذي يختلف بالطعام إلى النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وأبي بكر وهما في الغار.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني معمر عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة قالت: كان خروج أبي بكر للهجرة إلى المدينة مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ومعهما عامر بن فُهيرة ومعهما دليل يُقال له عبد الله بن أُرَيقِطْ الدّيليّ وهو يومئذ على الكفر ولكنهما أمِناه.

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا همّام بن يحيَى قال: أخبرنا ثابت عن أنس أنّ أبا بكر حدّثه قال: قلتُ للنّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، ونحن في الغار لو أنّ أحدهم ينظر إلى قدميه لأبْصَرَنا تحت قدميه، قال فقال: "يا أبا بكر ما ظنّك باثنَينِ الله ثالثهما؟"(*)

قال: أخبرنا شَبابة بن سَوّار قال: أخبرنا أبو العطوف الجَزَريّ عن الزّهريّ قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لحسان بن ثابت: "هل قلتَ في أبي بكر شيئًا؟" فقال: نعم، فقال: "قل وأنا أسمع"، فقال: ‏‏

وثانيَ اثْنَينِ في الغارِ المُنيفِ وقَدْ طافَ العَـدُوّ بهِ إذْ صَعِـدَ الجَبَلا

وكان حِبُّ رسولِ اللهِ قـد عَلموا من البرِيّــــةِ لم يَعْـــــدِلْ بـهِ رَجُــــلا

قال: فضحك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، حتى بَدَتْ نَواجذُه ثمّ قال: "صدقتَ يا حسّان هو كما قلت".(*)

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن عطيّة بن عبد الله بن أُنيس عن أبيه قال: لمّا هاجر أبو بكر من مكّة إلى المدينة نزل على حَبيب بن يَساف.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني موسى بن عُبيدة عن أيّوب بن خالد قال: نزل أبو بكر على خارجة بن زيد بن أبي زُهير.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر عن موسى بن يعقوب قال: حدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير قال: نزل أبو بكر على خارجة بن زيد بن أبي زُهير وتزوّج ابنته ولم يزل في بني الحارث بن الخزرج بالسّنْح حتى توفي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا موسى بن محمّد بن إبراهيم عن أبيه قال: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين أبي بكر وعمر.

قال: أخبرنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فُديك قال: أخبرنا عبد الله بن محمّد بن عمر ابن عليّ بن أبي طالب عن أبيه أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لما آخى بين أصحابه آخى بين أبي بكر وعمر.(*)

قال: أخبرنا محمّد بن عُبيد قال: حدّثني وائل بن داود عن رجل من أهل البصرة قال: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين أبي بكر وعمر فرآهما يومًا مُقبِلَين فقال: "إنّ هذين لَسَيّدَا كُهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين كُهولهم وشبابهم إلا النبيّين والمُرسَلين".(*)

قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا ملك بن مِغْول عن الشّعبيّ قال: آخى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بين أبي بكر وعمر فأقبلا، أحدهما آخذٌ بيد صاحبه، فقال: "مَنْ سَرّه أن ينظر إلى سَيّدَيْ كُهول أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين إلاّ النبيّين والمرسَلين فلينظر إلى هذين المُقبلين".(*)

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله عن الزّهريّ عن عُبيد الله ابن عبد الله بن عُتبة قال: لمّا أقطع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، الدّور بالمدينة جعل لأبي بكر موضع داره عند المسجد وهي الدّار التي صارت لآل مَعْمَر.(*)

قالوا: وشهد أبو بكر بدرًا وأُحُدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ودفع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، رايتَه العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر وكانت سوداء وأطعمه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، بخيبر مائة وَسْق، وكان فيمن ثَبَتَ مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يومَ أُحُدٍ حين ولّى النّاس.

قال: وأخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني حمزة بن عبد الواحد عن عكرمة بن عمّار عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: بعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أبا بكر إلى نَجْد وأمّره علينا فبيّتنا ناسًا من هوازن فقتلتُ بيدي سبعةً أهْل أبيات، وكان شعارنا أمتْ أمتْ.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: حدّثني مِسْعر عن أبي عون عن أبي صالح عن عليّ قال: قيل لعليّ ولأبي بكر يوم بدر: مع أحَدِكما جبريل ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل مَلَكٌ عظيمٌ يَشْهَدُ القتال، أو قال يَشْهَدُ الصّفّ.

قال: أخبرنا أبو معاوية الضّرير عن الأعمش عن عمرو بن مرّة عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال النّبيّ: "إني أبْرَأ إلى كلّ خليل من خلّته غير أنّ الله قد اتّخذ صاحبكم خليلًا، يعني نفسه، ولو كُنت متّخِذًا خليلًا لاتخذتُ أبا بكر خليلًا".(*)

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا شُعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "لو كنتُ متّخذًا خليلًا من أمّتي لاتّخذتُ أبا بكر".(*)

قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقيّ قال: حدّثنا عُبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أُنيسة عن عمرو بن مُرّة عن عبد الله بن الحارث قال: حدّثنا جندب أنّه سمع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يقول: "لو كنتُ متّخذًا خليلًا من أُمّتي لاتّخذتُ أبا بكر خليلًا".(*)

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا وُهيب قال: أخبرنا خالد عن أبي قلابة عن أنس بن مالك عن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "أرْحَمُ أمّتي بأمّتي أبو بكر".(*)

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن الجريريّ عن عبد الله بن شقيق عن عمرو بن العاص قال: قلتُ يا رسول الله أيّ النّاس أحبّ إليك؟ قال: "عائشة"، قلت: إنّما أعني من الرّجال، قال: "أبوها".(*)

قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن هشام عن محمّد قال: كان أغْيَرَ هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر.

قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا السّرِيّ بن يحيَى عن الحسن قال: قال أبو بكر يا رسول الله ما أزال أراني أطَأ في عَذِرات النّاس، قال: "لتكوننّ من النّاس بسبيل"، قال: ورأيتُ في صدري كالرّقْمَتَيْنِ، قال: "سَنَتَين"، قال: ورأيتُ عَلَيّ حُلّةً حِبَرَةً، قال: "وَلَدٌ تُحْبَرُ به".(*)

قال: أخبرنا حجّاج بن محمّد عن ابن جُريج قال: أخبرنا عطاءٌ أنّ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، لم يحجّ عام الفتح وأنّه أمّر أبا بكر الصّدّيق على الحجّ.(*)

قال: أخبرنا خالد بن مَخَْلَد قال: أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: استعمل النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، أبا بكر على الحجّ في أوّل حجّة كانت في الإسلام، ثمّ حجّ رسول الله في السنة المّقبلة، فلمّا قُبض النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، واستُخلف أبو بكر استعمل عمر بن الخطّاب على الحجّ ثمّ حجّ أبو بكر من قابلٍ، فلمّا قُبض أبو بكر واستُخلف عمر استعمل عبد الرّحمن بن عوف على الحجّ، ثم لم يزل عمر يحجّ سنيه كلّها حتى قُبض فاستُخلف عثمان فاستعمل عبدَ الرّحمن بن عوف على الحجّ.(*)

قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو بكر بن عيّاش عن مُبَشّر السعديّ عن ابن شهاب قال: رأى النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، رؤيا فقصّها على أبي بكر فقال: "يا أبا بكر رأيتُ كأنّي استبقتُ أنا وأنت درجة فسَبَقْتُك بمِرْقاتين ونصف"، قال: خيرٌ يا رسول الله، يُبْقِيكَ الله حتى ترى ما يَسُرّك ويُقِرّ عَيْنَك، قال: فأعاد عليه مثل ذلك ثلاث مرّات وأعاد عليه مثل ذلك، قال: فقال له في الثالثة: "يا أبا بكر رأيتُ كأنّي استبقتُ أنا وأنت درجة فسبقتُك بمرقاتين ونصف"، قال: يا رسول الله، يَقْبِضُكَ الله إلى رحمته ومغفرته وأعيش بعدك سنتين ونصفًا.(*)

قال: أخبرنا الفضل بن عَنْبَسَة الخزّاز الواسطيّ وعارم بن الفضل قالا: أخبرنا حمّاد بن زيد قال: أخبرنا سعيد بن أبي صدقة عن محمّد بن سيرين قال: لم يكن أحدٌ بعد النّبيّ أهْيَبَ لما لا يَعْلَمُ من أبي بكر، ولم يكن أحدٌ بعد أبي بكر أهْيَبَ لما لا يُعلَمُ من عُمَرَ، وإنّ أبا بكر نزلت به قضيّة لم نَجدْ لها في كتاب الله أصْلًا ولا في السنة أثرًا فقال أجْتَهِدُ رَأيي فإنْ يَكُنْ صَوابًا فمِنَ اللهِ وإنْ يكُنْ خَطَأً فمنّي وَأستغْفِرُ الله.

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن جُبير بن مُطعم عن أبيه أنّ امرأة أتت النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، تَسْألُه شيئًا فقال لها: "ارجعي إليّ"، فقالت: فإن رجعتُ فلم أجدْك يا رسول الله؟ تُعَرّض بالموت، فقال لها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "فإن رجعتِ ولم تجديني فالْقَيْ أبا بكر".(*)

قال: أخبرنا سليمان أبو داود الطيالسيّ وعبد العزيز بن عبد الله قالا: أخبرنا إبراهيم ابن سعد عن أبيه عن محمّد بن جُبير بن مُطعم عن أبيه أنّ امرأة أتت النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، في شيء فقال لها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ارجعي إليّ" قالت: يا رسول الله فإن لم أرَك، تعني الموت، فإلى مَنْ؟ قال: "إلى أبي بكر".(*)

ذِكر الصلاة التي أَمَر بها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أبا بكر عند وفاته

قال: أخبرنا حُسين بن عليّ الجُعفي عن زائدة عن عبد الملك بن عُمير عن أبي بُرْدَة عن أبي موسى قال: مَرِضَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فاشْتَدّ وجعه فقال: "مُرُوا أبا بكر فَلْيُصَلّ بالنّاس"، فقالت عائشة: يا رسول الله إنّ أبا بكر رجل رقيق وإنّه إذا قام مقامك لم يكد يُسمع النّاس، قال: "مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس فإنّكنّ صواحب يوسف".(*)

قال: أخبرنا حُسين بن عليّ الجُعفي عن زائدة عن عاصم عن زرّ عن عبد الله قال: لما قُبض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قالت الأنصار: مِنّا أميرٌ ومنكم أميرٌ، قال فأتاهم عمر فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أنّ رسول الله أمر أبا بكر أن يصلّي بالنّاس؟ قالوا: بَلَى، قال: فأيّكم تطيبُ نفسه أنْ يتقدّم أبا بكر؟ قالوا: نعوذ الله أن نتقدّم أبا بكر.(*)

قال: أخبرنا أبو معاوية الضّرير قال: أخبرنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: لما ثَقُلَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، جاء بِلال يُؤذِنُه بالصلاة فقال: "مرُوا أبا بكر فليصلّ بالنّاس"، قالت: فقلت يا رسول الله إنّ أبا بكر رجل أَسيفٌ وإّنه متى يقم مقامك لا يُسمع النّاس فلو أمَرْتَ عُمَرَ، قال: "مروا أبا بكر يصلّي بالنّاس"، فقلت لحَفْصَة: قولي له إنّ أبا بكر رجل أسيفٌ وإنّه متى ما يقم مقامك لا يُسمع النّاس فلو أمرت عمر، قال فقالت له حفصة، فقال: "إنّكُنّ لأنْتُنّ صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس"، فقالت حفصة لعائشة: ما كنتُ لأصيبَ منكِ خيرًا، قالت فأمروا أبا بكر يصلّي بالنّاس، فلمّا دخل أبو بكر في الصّلاة وَجَدَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، من نفسه خِفّةً فقام يُهادَى بين رَجُلَين ورِجْلاه تَخُطّان في الأرض حتى دخل المسجد، فلمّا سمع أبو بكر حسّه ذهب يتأخّر فأوْمَأ إليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "قُمْ كما أنْتَ"، قالت فجاء رسول الله حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يصلّي بالنّاس جالسًا وأبو بكر قائمًا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله والنّاس يقتدون بصلاة أبي بكر. (*)

قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنّ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "مُرُوا أبا بكر فليُصلّ بالنّاس"، فقالت عائشة: يا رسول الله إنّ أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع النّاس من البكاء فَأمُرْ عمر فليصلّ بالنّاس، قال: "مروا أبا بكرٍ فليُصَلّ بالنّاس"، فقالت عائشة: فقلتُ لحفصة قُولي له إنّ أبا بكرٍ إذا قام مقامك لم يسمع النّاس من البكاء فأمُرْ عمر فليصلّ بالنّاس، ففعلت حفصة، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إنّكُنّ لأنْتنّ صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلّ بالنّاس"، فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرًا (*).

قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو إسرائيل عن الفُضيل بن عمرو الفُقيميّ قال: صلّى أبو بكر بالنّاس ثلاثًا في حياة النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم.

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة أنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "ادْعي لي أباكِ وأخاكِ حتّى أكتب لأبي بكر كتابًا فإنّي أخاف أنْ يَقُولَ قائِلٌ وَيَتَمَنّى وَيَأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر".(*)

قال: أخبرنا أبو معاوية الضّرير قال: أخبرنا عبد الرّحمن بن أبي بكر القرشي عن ابن أبي مُليكة عن عائشة قالت: لما ثَقُل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، دعا عبد الرّحمن ابن أبي بكر فقال: "ائْتني بكتفٍ حتى أكتب لأبي بكر كتابًا لا يُخْتَلَفُ عليه"، فذهب عبد الرّحمن ليقوم فقال: "اجلس، أبَى الله والمؤمنون أن يُخْتَلَفَ على أبي بكر".(*)

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم وسليمان أبو داود الطيالسيّ قالا: أخبرنا محمّد بن أبان الجُعفي عن عبد العزيز بن رُفيع عن عبد الله بن أبي مُليكة قال أبو داود عن عائشة، وقال عفّان عن عبد الله بن أبي مُليكة، قال: قال النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، لعائشة لما مرض: "ادْعوا لي عبدَ الرّحمن بن أبي بكر أكْتُبْ لأبي بكر كتابًا لا يختَلفُ عليه أحدٌ من بعدي"، وقال عفّان: "لا يختلف فيه المسلمون"، ثمّ قال: "دَعيه، معَاذَ الله أنْ يختلف المؤمنون في أبي بكر".(*)

قال: أخبرنا جعفر بن عون قال: أخبرنا أبو عُميس عُتبة بن عبد الله عن ابن أبي مُليكة قال: سمعتُ عائشة وسُئلتْ: يا أمّ المؤمنين من كان رسول الله مستخلفًا لو استخلف؟ قالت: أبا بكر، ثمّ قيل لها: من بعد أبي بكر؟ قالت: عمر، ثمّ قيل لها: من بعد عمر؟ قالت: أبا عُبيدة بن الجرّاح، قال ثمّ انتهت إلى ذا.

قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو معشر عن محمّد بن قيس قال: اشتكى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثلاثة عشر يومًا فكان إذا وجد خِفّةً صلّى وإذا ثَقُلَ صلّى أبو بكر.(*)

ذِكر بيعة أبي بكر

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا العوّام عن إبراهيم التيميّ قال: لمّا قُبض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أتى عمرُ أبا عُبيدة بن الجرّاح فقال: ابْسُط يدك فَلأبايعك فإنّك أمين هذه الأمة على لسانِ رسول الله، فقال أبو عُبيدة لعمر: ما رأيتُ لك فَهّةً قَبْلَها منذ أسلمتَ، أتبايعني وفيكم الصّدّيقُ وثاني اثنين؟.

قال: أخبرنا مُعاذ بن مُعاذ ومحمّد بن عبد الله الأنصاريّ قالا: حدثنا أبو عون عن محمّد قال: لما توفي النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، أتوا أبا عُبيدة فقال: أتأتوني وفيكم ثالث ثلاثة؟ قال أبو عون: قلتُ لمحمّد ما ثالثُ ثلاثة؟ قال: ألم تر تلك الآية: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سورة التوبة: 40].

قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الزّهريّ عن أبيه عن صالح بن كَيْسان عن ابن شهاب عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة عن عبد الله بن عبّاس: سمعتُ عمر بن الخطّاب، وذكر بيعةَ أبي بكر فقال: ولَيْسَ فيكم مَنْ تُقْطَعُ إليه الأعْناقُ مثلُ أبي بكر.

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: حدّثنا شعبة عن الجُرَيْري عن أبي نَضْرة قال: لمّا أبْطَأ النّاسُ عن أبي بكر قال: من أحقّ بهذا الأمر مني؟ ألَسْتُ أوّلَ من صَلّى؟ ألَسْتُ ألستُ؟ قال فذكر خصالًا فعلها مع النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم.

قال: حدثنا عارم بن الفضل قال: حدثنا حمّاد بن زيد عن يحيَى بن سعيد عن القاسم ابن محمّد أنّ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، لمّا توفّي اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عُبادة فأتاهم أبو بكر وعمر وأبو عُبيدة بن الجرّاح، قال: فقام حُباب بن المُنْذر وكان بدرِيًّا فقال: مِنّا أميرٌ ومنكم أميرٌ فإنّا واللِّه ما نَنْفَسُ هذا الأمرَ عليكم أيّها الرهط ولكنّا نخاف أن يَلِيَها، أو قال يَلِيَهُ أقْوَامٌ قتلنا آباءهم وإخْوَتَهم، قال: فقال له عمر: إذا كان ذلك فمُتْ إن اسْتَطَعْتَ فتكلّمَ أبو بكر فقال: نحن الأمراءُ وأنتم الوزراء وهذا الأمرُ بيننا وبينكم نصفين كَقَدّ الأُبْْلُمَة، يعني الخوصة، فبايَعَ أوّلَ النّاس بَشيرُ بن سعد أبو النعمان، قال: فلمّا اجتمعَ النّاس على أبي بكر قَسَمَ بين النّاس قَسْمًا فَبَعَثَ إلى عَجُوزٍ من بني عَديّ بن النّجّار بقِسْمِها مع زيد بن ثابت فقالت: ما هذا؟ قال: قِسْمٌ قَسَمَه أبو بكر للنساء، فقالت: أتُراشُوني عن ديني؟ فقالوا: لا، فقالت: أتخافون أن أدَعَ ما أنا عليه؟ فقالوا: لا، قالت: فوالله لا آخُذُ منه شيئًا أبدًا. فرجع زيد إلى أبي بكر فأخبره بما قالت فقال أبو بكر: ونحن لا نأخُذُ ممّا أعطيناها شيئًا أبدًا.

قال: أخبرنا عُبيد الله بن موسى قال: أخبرنا هشام بن عروة، قال عُبيد الله أظُنّه عن أبيه، قال: لمّا وَليَ أبو بكر خَطَبَ النّاسَ فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعدُ أيّها النّاس قد وَليتُ أمْرَكم ولستُ بخيْرِكم وَلكن نَزَلَ القُرآنُ وسنّ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، السّنَنَ فعَلّمنا فعَلِمْنا، اعْلَموا أنّ أكْيسَ الكيس التّقوى وأنّ أحْمَقَ الحُمْق الفُجور، وأنّ أقواكم عندي الضّعيف حتّى آخُذَ له بحقّه وأنّ أضعفكم عندي القويّ حتى آخذَ منه الحقّ، أيّها النّاس إنّما أنا مُتّبِعٌ ولستُ بمُبْتَدِعٍ، فإنْ أحْسَنْتُ فأعينوني وإنْ زُغْتُ فقَوّموني.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين وشُعيب بن حَرْب قالا: حدثنا مالك بن مِغْوَل عن طَلْحَة ابن مصرِّف قال: سألتُ عبد الله بن أبي أوْفى أوْصى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: لا، قلتُ: فكيف كَتَبَ على النّاس الوصّية وأُمروا بها؟ قال: أوصى بكتاب الله، قال: وقال هُزَيْلٌ: أكان أبو بكر يَتَأمّرُ على وصيّ رسول الله؟ لَوَدّ أبو بكر أنّه وَجَدَ من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عَقْدًا فَخَزَم أنْفه بخزامَةٍ.

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح عن أبي بكر الهُذلي عن الحسن قال: قال عليّ لمّا قُبض النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، نظرنا في أمرنا فوجدنا النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، قد قدّمَ أبا بكر في الصلاة فَرَضينا لدنيانا مَنْ رضيَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم، لديننا فقدّمنا أبا بكر.

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأرقم بن شُرَحْبيل عن ابن عبّاس أن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، لمّا جاء إلى أبي بكر وهو يصلّي بالنّاس في مرضه أخَذَ من حيثُ كان بَلَغَ أبو بكر من القراءة.(*)

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح عن نافع بن عمر عن ابن أبي مُليكة قال: قال رجل لأبي بكر: يا خليفة الله، فقال: لستُ بخليفة الله ولكنّي خليفةُ رسول الله، أنا راضٍ بذلك.

قال: أخبرنا عبد الله بن الزّبير الحُميديّ المكّيّ قال: أخبرنا سفيان بن عُيينة قال: أخبرنا الوليد بن كَثير عن ابن صَيّاد عن سعيد بن المسيّب قال: لمّا قُبض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ارْتَجّتْ مكّةُ فقال أبو قُحافة: ما هذا؟ قالوا: قُبض رسول الله، قال: فمن وَلِيَ النّاسَ بعده؟ قالوا: ابنك، قال: أرَضِيَتْ بذلك بنو عبد شمس وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: فإنّه لا مانع لما أعطى الله ولا مُعْطي لما مَنَعَ الله، قال: ثمّ ارْتَجّتْ مكّة برَجّةٍ هي دون الأولى فقال أبو قُحافة: ما هذا؟ قالوا: ابنك مات، فقال أبو قُحافة: هذا خبرٌ جَليلٌ.

قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا هشام الدّسْتَوائيّ قال: أخبرنا عطاء بن السائب قال: لما استُخلف أبو بكر أصبح غاديًا إلى السوق وعلى رَقَبَتِهِ أثْوابٌ يَتّجِرُ بها فلَقِيَهُ عمرُ بن الخطّاب وأبو عُبيدة بن الجرّاح فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق قالا: تَصْنَعُ ماذا وقَدْ وليتَ أمرَ المسلمينَ؟ قال: فمِنْ أين أُطْعِمُ عِيالي؟ قالا له: انْطَلِقْ حتّى نَفْرِضَ لكَ شَيْئًا، فانطلق معهما ففرضوا له كلّ يوم شَطْرَ شاة وما كسوه في الرأس والبَطْن، فقال عمر: إلىّ القضاء، وقال أبو عُبيدة: وإليّ الفَيْءُ، قال عمر: فلقد كان يأتي عَليّ الشّهْرُ ما يَخْتَصِمُ إليّ فيه اثْنَان.

قال: أخبرنا روح بن عبادة ومحمّد بن عبد الله الأنصاريّ قالا: أخبرنا ابن عون عن عُمير بن إسحاق أنّ رجلًا رأى على عُنق أبي بكر الصّدّيق عباءةً فقال: ما هذا؟ هاتِها أكْفِيكَها، فقال: إليك عنّي لا تَغُرّني أنتَ وابنُ الخطّاب من عيالي.

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن حُميد بن هلال قال: لمّا وَليَ أبو بكر قال أصحاب رسول الله: افْرضوا لخليفة رسول الله ما يُغْنيه، قالوا: نَعَمْ، بُرْداه إذا أخْلَقَهُما وَضَعَهما وأخذ مثلَهما وظهره إذا سافر ونَفَقَتُه على أهله كما كان يُنْفِقُ قبل أن يستُخلف، قال أبو بكر: رَضيت.

قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن أيّوب عن حُميد بن هلال أنّ أبا بكر لما استُخلف راح إلى السوق يَحْمل أبْرادًا له وقال: لا تَغُرّوني من عيالي.

قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقّيّ قال: أخبرنا عُبيد الله بن عمرو عن معمر عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة قالت: لما وليَ أبو بكر قال: قد عَلِمَ قومي أنّ حِرْفَتي لم تكن لتعجِزَ عن مَئُونَةِ أهْلي وقد شُغِلْتُ بأمْرِ المُسلمين وسأحْتَرِفُ للمسلمين في مالهم وسيأكُلُ آلُ أبي بكر من هذا المال.

قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو بكر بن عيّاش عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال: لما استُخلف أبو بكر جعلوا له ألفين فقال: زيدوني فإنّ لي عيالًا وقد شغَلْتُموني عن التجارة، قال فزادوه خمسمائة، قال: إمّا أن تكون ألفين فزادوه خمسمائة أو كانت ألفين وخمسمائة فزادوه خمسمائة.
ِ
ِذكر بيعة أبي بكر، رحمه الله

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرَة عن مروان ابن أبي سعيد بن المعلّى قال: سمعتُ سعيد بن المسيّب قال: وأخبرنا موسى بن محمّد بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرّحمن بن صبيحة التيميّ عن أبيه قال: وأخبرنا عبد الرّحمن بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: وأخبرنا محمّد بن عبد الله عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة قال: وأخبرنا أبو قدامة عثمان بن محمّد عن أبي وَجْزَةَ عن أبيه قال: وغير هؤلاء أيضًا قد حدّثني ببعضه فدخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: بويع أبو بكر الصّدّيق يومَ قُبضَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مُهاجَرِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان منزله بالسُّنْح عند زوجته حَبيبةَ بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث ابن الخزرج، وكان قد حجّر عليه حُجْرة من شَعْر فما زاد على ذلك حتَى تحوّل إلى منزله بالمدينة فأقام هناك بالسّنْح بعدما بويع له ستّة أشهر يغدو على رجليه إلى المدينة وربمّا ركب على فرس له وعليه إزارٌ ورداءٌ مُمَشَّّقٌ فيوافي المدينة فيصلّي الصلوات بالنّاس فإذا صلّى العشاء رجع إلى أهله بالسّنح، فكان إذا حَضَرَ صلّى بالنّاس وإذا لم يَحْضُرْ صلّى عمر بن الخطّاب.

وكان يقيم يوم الجمعة في صدر النّهار بالسّنْح يصْبُغُ رأسَه ولحيته ثمّ يروح لقَدَر الجمعة فيُجَمّع بالنّاس، وكان رجلًا تاجرًا فكان يغدو كلّ يوم السوق فيبيع ويبتاع، وكانت له قطعة غنم تروح عليه وربما خرج هو نفسه فيها ورُبّما كُفيَها فرُعِيَتْ له.

وكان يَحْلُبُ للحيّ أغنامهم، فلمّا بويع له بالخلافة قالت جارية من الحيّ: الآن لا تُحْلَبُ لنا منائحُ دارِنا، فسمِعَها أبو بكر فقال: بلى لعمري لأحْلُبَنّها لكم وإنّي لأرجو أن لا يغيّرني ما دخلتُ فيه عن خُلُقٍ كنتُ عليه، فكان يحلُبُ لهم فرّبما قال للجارية من الحيّ: يا جارية أتُحبّين أنْ أُرْغِيَ لكِ أو أُصَرّحَ؟ فربّما قالت: أرْغِ، ورّبما قالت: صَرّحْ، فأيّ ذلك قالت فَعَلَ، فمكث كذلك بالسّنح ستّة أشهر ثمّ نزل إلى المدينة فأقام بها ونظر في أمره فقال: لا والله ما يُصْلحُ أمرَ النّاس التجارة وما يصْلُحُ لهم إلاّ التفَرّغُ والنظر في شأنهم وما بدٌّ لعيالي ممّا يُصْلحهم، فترك التجارة واستنفق من مال المسلمين ما يُصْلِحُهُ ويُصْلحُ عياله يومًا بيومٍ ويَحُجّ ويعتمر.

وكان الذي فرضوا له كلّ سنة ستّة آلاف درهم، فلمّا حضرته الوفاةُ قال: رُدّوا ما عندنا من مال المسلمين فإنّي لا أُصيب من هذا المال شيئًا، وإنّ أرْضي التي بمكان كذا وكذا للمسلمين بما أصبتُ من أموالهم. فدُفع ذلك إلى عمر ولَقوحٌ وعَبْدٌ صَيْقَلٌ وقطيفةٌ ما يساوي خمسة دراهم فقال عمر: لقد أتْعَبَ مَنْ بعده.

قالوا: واستعمل أبو بكر على الحج سنةَ إحدى عشرة عمر بن الخطّاب، ثمّ اعتمر أبو بكر في رجب سنة اثنتي عشرة فدخل مكّة ضَحْوَةً فأتى منزله وأبو قُحافة جالس على باب داره معه فتيان أحداث يحدّثهم إلى أن قيل له هذا ابنك، فنهض قائمًا وعَجِلَ أبو بكر أن يُنيخ راحلته فنزل عنها وهي قائمة فجعل يقول: يا أبتِ لا تقم، ثمّ لاقاه فالتزمه وقبّل بين عينْي أبي قحافة وجعل الشيخ يبكي فرحًا بقدومه، وجاءَ إلى مَكّة عَتّاب بن أَسِيد وسُهيل بن عمرو وعِكْرمة بن أبي جَهل والحارث بن هشام فسلّموا عليه: سلامٌ عليك يا خليفة رسول الله، وصافحوه جميعًا فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثمّ سلّموا على أبي قُحافة فقال أبو قحافة: يا عتيقُ هؤلاء الملأ فأحسِنْ صُحْبَتهم، فقال أبو بكر: يا أبتِ لا حول ولا قوة إلاّ بالله! طُوّقتُ عظيمًا من الأمر لا قوّة لي به ولا يَدَانِ إلاّ بالله. ثمّ دخل فاغتسل وخرج وتبعه أصحابه فنحاهم ثمّ قال: امْشوا على رِسْلكم. ولقيه النّاس يتمشّون في وجهه ويُعزّونَه بنبيّ الله صَلَّى الله عليه وسلم، وهو يبكي حتّى انتهى إلى البيت فاضطبّع بردائه ثمّ استلم الرّكن ثمّ طاف سبعًا وركع ركعتين، ثمّ انصرف إلى منزله، فلمّا كان الظهر خرج فطاف أيضًا بالبيت، ثمّ جلس قريبًا من دار الندوة فقال: هل من أحدٍ يتشكّى من ظلامة أو يطلب حقًا؟ فما أتاه أحد وأثنْى النّاس على واليهم خيرًا، ثمّ صلّى العصر وجلس فودّعه النّاس، ثمّ خرج راجعًا إلى المدينة، فلمّا كان وقت الحج سنة اثنتي عشرة حجّ أبو بكر بالنّاس تلك السنة وأفْرَدَ الحجّ واستُخلف على المدينة عثمان بن عفّان.

ذِكر صفة أبي بكر

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: دخلتُ مع أبي على أبي بكر وكان رجلًا نحيفًا خفيف اللحم أبيض.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا شُعيب بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرّحمن ابن أبي بكر الصّدّيق عن أبيه عن عائشة أنها نظرت إلى رجل من العرب مارًّا وهي في هَوْدَجها فقالت: ما رأيْتُ رجلًا أشبه بأبي بكر من هذا، فقلنا: صِفي لنا أبا بكر، فقالت: رجلٌ أبيض، نحيف، خفيف العارضين، أجْنَأ لا يَسْتَمْسِكُ إزارُه يَسْتَرْخي عن حَقْويْه، معروقُ الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع، هذه صفته.

قال: محمّد بن عمر: فذكرت ذلك لموسى بن عمران بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي بكر فقال: سمعت عاصم بن عُبيد الله بن عاصم يذكر هذه الصفة بعينها.

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا سفيان بن حسين عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة أنّ أبا بكر كان يخضب بالحنّاء والكتم.

قال: أخبرنا جعفر بن عون قال: أخبرنا عبد الرّحمن بن زياد عن عُمارة عن عمّه قال: مررتُ بأبي بكر وهو خليفة يومئذٍ ولحيته حمراء قانيةٌ.

قال: أخبرنا جعفر بن عون ومحمّد بن عبد الله الأسديّ قالا: أخبرنا مسعر عن أبي عون عن شيخ من بني أسد قال: رأيتُ أبا بكر في غزوة ذات السلاسل كأنّ لحيتَه لُهاب العَرْفَج، شيخًا خفيفًا أبيض، على ناقة له أدماءَ.

قال: أخبرنا أبو معاوية الضّرير عن الأعمش عن ثابت عن أبي جعفر الأنصاريّ قال: رأيتُ أبا بكر الصّدّيق ورأسه ولحيته كأّنهما جَمْرُ الغَضا. قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا يحيَى بن سعيد عن محمّد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن أنّ عبد الرّحمن بن الأسود بن عبد يَغوث، وكان جليسًا لهم. كان أبيض الرأس واللحية فغدا عليهم ذاتَ يوم وقد حمّرها فقال له القوم: هذا أحْسَنُ، فقال: إنّ أمّي عائشة أرسلتّ إليّ البارحة جاريتها نُخيلة فأقسمتْ عليّ لأصْبُغَنّ وأخْبرَتْني أنّ أبا بكر كان يَصْبُغُ.

قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس قال: حدّثني سليمان بن بلال عن محمّد ابن أبي عتيق وموسى بن عُقبة عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزّبير أنّ عائشة قالت صَبَغَ أبو بكر بالحنّاء والكتَم.

قال: أخبرنا عبد الله بن مَسْلَمَة بن قَعْنَب الحارثي قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمّد عن عَمرو بن أبي عمرو عن القاسم بن محمّد قال: سمعتُ عائشة وذُكرَ عندها رجلٌ يخضب بالحنّاء فقالت أنْ يَخْضِبْ فقد خَضَبَ أبو بكر قبله بالحنّاء.

قال القاسم: لو علمت أنَّ رسول الله خَضَبَ لَبَدَأتُ برسول الله فذكرتُه.

قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الأنصاري قال: أخبرنا حُميد قال: سُئل أنس بن مالك أخضب رسول الله؟ فقال: لم يَشِنْه الشّيْبُ ولكِنْ خضب أبو بكر بالحنّاء وخضب عمرُ بالحنّاء.

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حُميد الطويل عن أنس بن مالك قال: خضب أبو بكر بالحنّاء والكتَم.

قال: أخبرنا أبو معاوية الضّرير قال: أخبرنا عاصم الأحول عن ابن سيرين قال: سألتُ أنس بن مالك بأيّ شيءٍ كان يختضب أبو بكر؟ قال: بالحنّاء والكَتَم، قال: قلتُ فعمرُ؟ قال: بالحنّاء، قال: قلت فالنّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: لم يُدْركْ ذاك.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا هّمام بن يحيَى عن قتادة عن أنس وأخبرنا عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا سعيد بن أبي عَروبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: وأخبرنا عبد الله بن نُمير قال: أخبرنا عُبيد الله بن عمر عن حُميد الطويل عن أنس بن مالك قال: خضب أبو بكر بالحنّاء والكَتَم.

قال: أخبرنا معن ابن عيسى قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنّ أبا بكر كان يَصْبُغُ بالحنّاء والكَتَم.

قال: أخبرنا عُبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن سِماك عن رجلٍ من بني خَيْثَمٍّ قال: رأيتُ أبا بكرٍ قد خَضَبَ رأسه ولحيته بالحنّاء.

قال: أخبرنا عُبيد الله بن موسى والفضل بن دُكين قالا: أخبرنا إسرائيل عن معاوية بن إسحاق قال: سألتُ القاسم بن محمّد أكان أبو بكر يخضب؟ قال: نعم قد كان يُغَيّرُ.

قال: أخبرنا عُبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن عمّار الدُّهْني قال: جلستُ إلى أشياخ من الأنصار بمكّة فسألهم عُبيد بن أبي الجَعْد أكان عمر يخضب بالحنّاء والكتم؟ فقالوا: أخبرنا فلان أنّ أبا بكر كان يخضب بالحنّاء والكتم.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا ابن عُيينة عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة أن أبا بكر كان يخضب بالحنّاء والكتم.

قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسيّ قال: أخبرنا أبو عَوانة عن حصين عن المغيرة بن شُبيل البجلي عن قيس بن أبي حازم أنّ أبا بكر كان يخرج إليهم وكأنّ لحيته ضرامُ عَرْفج من شدّة الحمرة من الحنّاء والكتم.

قال: أخبرنا عمرو بن الهيثمّ أبو قَطَن قال: أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس قال: وأخبرنا سعيد بن منصور عن حمّاد بن زيد عن ثابت عن أنس أنّ أبا بكر كان يخضب بالحنّاء والكتم.

قال: وأخبرنا عمرو بن الهيثمّ أبو قَطَن قال: أخبرنا شعبة عن زياد بن عِلاقة عن رجل أظنّه قال من قومه أنّ أبا بكر خضَبَ بالحنّاء والكتم.

قال: أخبرنا سليمان بن عبد الرّحمن الدمشقيّ قال: أخبرنا محمّد بن حِمْيَر قال: أخبرنا إبراهيم بن أبي عَبْلَةَ أنّ عقبة بن وَسّاج حدّثه عن أنسٍ خادم النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، قال: قدم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، المدينة وليس في أصحابه أشْمَطُ غير أبي بكر فغَلّفَها بالحنّاء والكتم.(*)

قال: أخبرنا عبد الوّهاب بن عطاء قال: أخبرنا ابن جُرَيْج عن عثمان بن أبي سليمان عن نافع بن جُبير بن مُطعم قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، "غيّروا ولا تَشبّهوا باليهود"(*)، قال: فصبَغَ أبو بكر بالحنّاء والكتم، وصبغ عمر فاشتَدّ صبْغُه، وصفّر عثمان بن عفّان، قال: فقيل لنافع بن جُبير: فالنّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: كان يَمَسّ السّدْرَ، قال ابن جُريج وقال عطاء الخراسانيّ إنّ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "منْ أجْمَلِ ما تَجَمَّلُونَ به الحنّاء والكتم"(*).

قال: أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسّان النهدي قال: أخبرنا إسرائيل عن عاصم بن سليمان قال: سأل ابن سيرين أنس بن مالك هل كان أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، يخضب؟ قال: أبو بكر، قال: حَسْبي.

ذِكر وصيّة أَبي بكر

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح وعبد الله بن نُمير قالا: أخبرنا الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: لمّا مرض أبو بكر مَرَضَه الذي مات فيه قال: انظروا ما زاد في مالي منذ دخلتُ الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي فإنّي قد كنتُ أستحلّه قال: وقال: عبد الله بن نُمير أستصلحه جَهْدي، وكنتُ أصيبُ من الوَدَك نحوًا ممّا كنتُ أصيب في التجارة، قالت عائشة: فلمّا مات نظرنا فإذا عَبْدٌ نوبيّ كان يحمل صبيانه وإذا ناضح كان يَسني عليه، قال عبد الله بن نُمير: ناضح كان يسقي بُسْتانًا له، قالت فبعثنا بهما إلى عمر، قالت فأخبرني جدّي أنّ عمر بكَى وقال: رحمة الله على أبي بكر لقد أتْعَبَ مَنْ بَعْدَه تَعَبًا شديدًا.

قال: أخبرنا عبد الله بن نُمير ومحمّد بن عُبيد الله عن عُبيد الله بن عمر عن عبد الرّحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنّ أبا بكر حين حضره الموت قال: إنّي لا أعلم عند أبي بكر من هذا المال شيئًا غير هذه اللقحة وغيرَ هذا الغلام الصّيْقَل كان يعمل سيوف المسلمين ويَخْدُمنا فإذا مِتُّ فادْفَعِيه إلى عمر، فلمّا دفعته إلى عمر قال: رحمَ اللهُ أبا بكر لقد أتعَبَ مَنْ بَعْدَه.

قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابيّ قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال: أطَفْنا بغرفة أبي بكر الصّدّيق في مَرْضَتِه التي قُبض فيها، قال: فقلنا كيف أصبح أو كيف أمسى خليفة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: فاطّلع علينا اْطّلاعَةً فقال: ألَسْتُمْ تَرْضَوْنَ بما أصْنَعُ! قلنا: بلى قد رضينا، قال: وكانت عائشة هي تُمَرّضُه، قال فقال: أما إني قد كنت حريصًا على أن أُوَفّرَ للمسلمين فَيْئَهم مع أني قد أصبتُ من اللحم واللبن فانظروا إذا رجعتم منّي فانظروا ما كان عندنا فأبْلِغوه عُمَرَ، قال: فذاك حيث عرفوا أنّه استخلفَ عمر، قال: وما كان عنده دينارٌ ولا درهم، ما كان إلا خادم ولقحة ومِحْلَب، فلمّا رأى ذلك عمر يُحْمَلُ إليه قال: يرحم الله أبا بكر لقد أتْعَبَ مَنْ بَعْدَه.

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا ابن عون عن محمّد قال توفّي أبو بكر الصّدّيق وعليه ستّة آلاف كان أخذها من بيت المال، فلمّا حضرته الوفاة قال: إنّ عمرَ لم يَدَعْني حتّى أصبتُ من بيت المال ستة آلاف درهم وإن حائطي الذي بمكان كذا وكذا فيها، فلمّا توفّي ذُكر ذلك لعمر فقال: يرحم الله أبا بكر لقد أحَبّ أن لا يَدَعَ لأحَدٍ بعده مقالًا وأنا والي الأمر من بعده وقد رددتُها عليكم.

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن ثابت عن سُمَيّة عن عائشة أنّ أبا بكر قال لها: يا عائشة ما عندي من مال إلاّ لِقْحة وقَدَحٌ فإذا مِتّ فاذهبوا بهما إلى عمر، فلمّا مات ذهبوا بهما إلى عمر فقال: يرحم الله أبا بكر لقد أتْعَبَ مَنْ بَعْدَه.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين ومحمّد بن عبد الله الأسديّ وقَبيصة بن عُقبة عن سفيان عن السّرِيّ عن عبد خير عن عليّ قال: يرحم الله أبا بكر هو أوّل من جمع اللّوْحَين.

قال: أخبرنا خالد بن مَخْلَد قال: حدّثني أُسامة بن زيْد بن أسلم عن أبيه عن نِيارٍ الأسلمي عن عائشة قالت: قسم أبي أوّل عامٍ الفَيءَ فأعطى الحُرّ عشرة وأعطى المملوك عشرة والمرأة عشرة وأمَتها عشرة، ثمّ قسم في العام الثاني فأعطاهم عشرين عشرين.

قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الأنصاريّ قال: أخبرنا أبو عامر الخزّاز صالح بن رُسْتَم قال: حدّثني أبو عِمْران الجَوْني عن أسير قال: قال سَلْمان دخلتُ على أبي بكر الصّدّيق في مرضه فقلت: يا خليفة رسول الله اعْهَدْ إليّ عَهْدًا فإنّي لا أراك تَعْهَدُ إليّ بعد يومي هذا، قال: أجل يا سلمان إنّها ستكون فتوحٌ فلا أعْرِفَنّ ما كان من حظّك منها ما جعلتَ في بطنك أو ألقيته على ظهرك، واعلم أنّه من صلّى الصلوات الخمس فإنه يُصْبحُ في ذِمّةِ الله ويُمسي في ذمّة الله، فلا تَقْتُلَنّّ أحدًا من أهل ذمّة الله فيَطلُبك اللَّه بذمَّته فيُكِبّك الله على وجهك في النّار.

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح وكثير بن هشام عن جعفر بن بُرقان عن خالد بن أبي عَزّة أنّ أبا بكر أوصى بخُمس ماله أو قال آخُذُ من مالي ما أخذَ الله من فَيءِ المسلمين.

قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: أخبرنا همّام بن يحيَى عن قتادة قال: قال أبو بكر لي من مالي ما رَضي ربّي من الغنيمة، فأوْصى بالخُمس.

قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن إسحاق بن سُويد أنّ أبا بكر أوصى بالخمس.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا سفيان عن عُيينة عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة قالت: لما حضر أبا بكر الوفاة جلس فتشهّد ثمّ قال: أمّا بعدُ يا بُنيّة فإنّ أحَبّ النّاسِ غِنًى إليّ بعدي أنْتِ وإنّ أعَزّ النّاسِ عليّ فَقرًا بعدي أنْتِ وإنّي كنتُ نَحَلْتُكِ جدادَ عشرين وسقًا من مالي فوَدِدْتُ واللهِ أنّكِ حُزْته وأخذته فإنّما هو مال الوارث وهما أخَواكِ وأخْتاكِ، قالت: قلتُ هذا أخَوَايَ فمَنْ أُخْتايَ؟ قال: ذات بَطْنِ ابنْةِ خارجةَ فإنّي أظُنّها جاريةً.

قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا القاسم بن الفضل قال: أخبرنا أبو الكِباش الكندي عن محمّد بن الأشعث أنّ أبا بكر الصّدّيق لمّا أنْ ثقُل قال لعائشة: إنّه ليس أحدٌ من أهلي أحَبّ إليّ منك وقد كنتُ أقْطَعْتُكِ أرْضًا بالبحرَين ولا أراك رَزَأتِ منها شيئًا، قالت له: أجَلْ، قال: فإذَا أنا مِتّ فابْعَثي بهذه الجارية، وكانت تُرْضعُ ابْنَه، وهاتَين اللِّقْحَتَين وحالبهما إلى عُمَرَ، وكان يسقي لَبَنَهما جُلساءَه، ولم يكن في يده من المال شَيءٌ. فلمّا مات أبو بكر بعثت عائشة بالغلام واللقحتين والجارية إلى عمر فقال عمر: يرحم الله أبا بكر لقد أتْعَبَ من بعده. فقَبل اللقحتين والغلام وردّ الجارية عليهم.

قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: أخبرنا همّام عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنّ أبا بكر لمّا حضرته الوفاةُ دعاها فقال: إنّه ليس في أهْلي بعدي أحدٌ أحَبّ إليّ غِنًى منكِ ولا أعزّ عليّ فَقْرًا منك وإنّي كنتُ نحلتُك من أرضٍ بالعالية جدادَ، يعني صِرامَ، عشرين وسقًا فلو كنتِ جَدَدته تمرًا عامًا واحدًا انْحازَ لكِ وإنّما هو مال الوارث وإنمّا هما أخَوَاكِ وأُخْتاك، فقلت: إنّما هي أسماء، فقال: وذات بطنِ ابنةِ خارجة قد أُلقيَ في رُوعي أنّها جارية فاسْتَوصي بها خيرًا فَوَلَدَتْ أمّ كلثوم.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أفْلح بن حُميد عن أبيه قال: كان المال الذي نَحَلَ عائشة بالعالية من أموال بني النضير بئر حجر كان النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، أعطاه ذلك المال فأصلحه بعد ذلك أبو بكر وغرس فيه وَدِيًّا.

قال: أخبرنا أبو سهل نَصْر بن باب عن داود بن أبي هِنْد عن عامر أنّ أبا بكر الصّدّيق لمّا احتُضرَ قال لعائشة: أيّ بنية قد علمت أنّكِ كنتِ أحبّ النّاس إليّ وأعَزّهُ وأني كنتُ نَحَلْتُكِ أرْضي التي تعلمين بمكان كذا وكذا وأنا أُحِبّ أن تَرُدّيها عَلَيّ فيكون ذلك قسمة بين ولدي على كتاب الله فألْقى ربّي حين ألْقاه ولم أُفضّلْ بعضَ ولدي على بعض.

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح وأبو أسامة قالا: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما ترك أبو بكر دينارًا ولا درهمًا ضَرَبَ الله سِكّتَه.

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح وعبد الله بن نُمير ويَعْلى بن عُبيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله البَهيّ مولى الزُّبير عن عائشة قالت: لمّا حُضِرَ أبو بكر قلتُ كلمةً من قول حاتم:

لَعمرُكَ ما يُغني الثراءُ عن الفَتى
إذا حشرَجتْ يوْمًا وضاقَ بها الصدرُ

فقال: لا تقولي هكذا يا بُنيّة ولكن قولي: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ}[سورة ق: 19]، انْظُروا مُلاءَتَيّ هاتَيْنِ فإذا مِتّ فاغسِلوهما وكفّنوني فيهما فإنّ الحيّ أحوْج إلى الجديد من الميّت.

قالَ: أخبرنا يَعْلى ومحمّد ابنا عُبيد قالا: أخبرنا موسى الجُهَني عن أبي بكر بن حفص ابن عمر قال: جاءت عائشة إلى أبي بكر وهو يعالج ما يُعالجُ الميّتُ ونفَسُه في صدره فتمثّلتْ هذا البيت:

لعمرُكَ ما يُغْني الثراءُ عن الفَتى
إذا حشرَجتْ يومًا وضاق بها الصّدرُ

فنظر إليها كالغضبان ثمّ قال: ليس كذلك يا أمّ المؤمنين ولكن: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ}[سورة ق: 19]، إني قد كنتُ نَحَلْتُكِ حائطًا وإنّ في نفسي منه شيئًا فرُدّيه إلى الميراث، قالت: نعم فرددتُه، فقال: أما إنّا منذ وَلِينا أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارًا ولا درهًما ولكنّا قد أكلنا من جَريشِ طعامهم في بطوننا ولبسنا من خَشِنِ ثيابهم على ظهورنا وليس عندنا من فيءِ المسلمين قليلٌ ولا كثيرٌ إلاّ هذا العبدَ الحبَشيّ وهذا البعير الناضح وجَرْدَ هذه القطيفة فإذا مِتّ فابْعثي بهنّ إلى عمر وأبْرَئي منهنّ. ففعلتُ.

فلمّا جاء الرسول عمرَ بكى حتّى جعلت دموعه تسيل في الأرض ويقول: رحم الله أبا بكر لقد أتْعَبَ من بعده، رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده، يا غلام ارفعهنّ. فقال عبد الرّحمن بن عوف: سبحان الله تَسْلُبُ عيالَ أبي بكر عبدًا حبَشيًّا وبعيرًا ناضحًا وجَرْدَ قطيفةٍ ثَمَن خمسة الدراهم؟ قال: فما تأمُرُ؟ قال: تَرُدّهنّ على عياله، فقال: لا والذي بعث محمّدًا بالحقّ، أو كما حلف، لا يكون هذا في ولايتي أبدًا ولا خرج أبو بكر منهنّ عند الموت وأرُدّهُنّ أنا على عياله، الموتُ أقربُ من ذلك.

قال: أخبرنا أبو أُسامة حمّاد بن أُسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت لمّا مرض أبو بكر‏:

مَـنْ لا يَـزَالُ دَمْعُــه مُقَنَّـعـًا
فـإنــه في مـرة مـدفـــوقُ

فقال أبو بكر: ليس كذاك أي بُنيّة ولكن: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ}[سورة ق: 19].

قالَ: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا هارون بن أبي إبراهيم قال: أخبرنا عبد الله ابن عُبيد أنّ أبا بكر أتته عائشة وهو يجود بنفسه فقالت: يا أبتاه هذا كما قال حاتم:
إذا حَشْرَجَتْ يوْمًا وضاقَ بها الصّدْر

فقال: يا بُنيّة قول الله أصْدق: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ}، إذا أنا مِتّ فاغْسلي أخْلاقي فاجْعليها أكْفاني، فقالت: يا أبتاه قد رزق الله وأحسن، نُكَفّنُك في جديد، قال: إنّ الحَيّ هو أحْوَجُ يَصُونُ نفسه وَيَضَعُهَا من الميّت، إنّما يصير إلى الصديد وإلى البِلى.

قال: وأخبرنا روْح بن عُبادة قال: أخبرنا هشام بن حسّان عن بكر بن عبد الله المُزَني قال: بلغني أنّ أبا بكر الصّدّيق لمّا مرض فثقل قعدت عائشة عند رأسه فقالت:

وكُـلُّ ذِي إبِـلٍ مـوروثُهـا وكـلّ ذي سَلَـبٍ مَسْـلُـوبُ

فقال: ليس كما قلت يا بنتاه ولكن كما قال الله: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ}[سورة ق: 19].

قال: أخبرنا عفّان قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن عليّ بن زيد عن القاسم بن محمّد عن عائشة أنّها تمثّلت بهذا البيت وأبو بكر يقضي‏:

وَأبيضَ يُستَسقى الغمـامُ بوَجهه رَبيـعُ اليتـامى عصْمـةٌ لِلأرامِلِ

فقال أبو بكر: ذاك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.

قال: أخبرنا عَفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة قال: أخبرنا ثابت عن سُمَيّة أنّ عائشة قالت:

مـن لا يـزالُ دمْعُـه مُقَنَّـعًا لا بـدّ يومـا أنـه يُهْـرَاقُ

فقال أبو بكر: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ}.

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن ثابت قال: كان أبو بكر يتمثّل بهذا البيت‏:

لا تَـزالُ تَنْعى حَبيـبًا حتّى تكونَه وَقَدْ يرْجُو الفَتَى الرّجَا يموتُ دونَه

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا مالك بن مِغول عن أبي السَّفَر قال: مرض أبو بكر فقالوا ألا ندعو الطّبيب؟ فقال: قد رآني فقال إني فَعّالٌ لما أريد.

قال: أخبرنا رَوْح بن عبادة قال: أخبرنا هشام بن أبي عبد الله عن قتادة قال: بلغني أنّ أبا بكر قال: وَدِدْت أني خضرة تَأكُلُني الدّواب.

قال: أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال: حدّثني اللّيث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب أنّ أبا بكر والحارث بن كَلَدَة كانا يأكلان خزيرة أُهديت لأبي بكر فقال الحارث لأبي بكر: ارْفَعْ يدك يا خليفة رسول اللَّه، والله إنّ فيها لَسَمّ سَنَةٍ وأنا وأنت نموت في يوم واحد. قال فرفع يده فلم يَزَالا عَليلين حتّى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة.

قال: أخبرنا محمّد بن حُميد العبدي عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال أبو بكر: لأنْ أُوصي بالخُمْس أحَبّ إليّ من أن أوصي بالربع، ولأن أوصي بالرّبع أحبّ إليّ من أن أوصي بالثلث، ومَنْ أوْصى بالثلث فلم يَتركْ شيئًا.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبرَة عن عبد المجيد بن سُهيل عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن قال: وأخبرنا بَرَدان بن أبي النضر عن محمّد بن إبراهيم بن الحارث التميميّ قال: وأخبرنا عمرو بن عبد الله بن عَنْبَسَة عن أبي النضر عن عبد الله البَهيّ، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، أنّ أبا بكر الصّدّيق لمّا استُعِزّ به دعا عبد الرّحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر بن الخطّاب، فقال عبد الرّحمن: ما تَسْألني عن أمر إلا وأنت أعلم به منّي، فقال أبو بكر: وإنْ، فقال عبد الرّحمن: هو والله أفْضَلُ من رأيك فيه، ثمّ دعا عثمان بن عفّان فقال: أخْبِرْني عن عمر، فقال: أنت أخبرُنا به، فقال: على ذلك يا أبا عبد الله، فقال عثمان: اللّهُمّ عِلْمي به أنّ سريرته خير من علانيته وأنّه ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: يرحمك الله والله لو تَرَكْتُه ما عَدَوْتُك. وشاوَرَ معهما سعيد بن زيد أبا الأعور وأُسَيْدَ بن الحُضَير وغيرهما من المهاجرين والأنصار فقال أُسَيْدٌ: اللّهمّ أعْلَمُه الخِيَرَةَ بعدك يَرْضى للرّضى ويَسْخَطُ للسّخْطِ، الذي يُسِرّ خيرٌ من الّذي يُعلنُ، ولم يَلِ هذا الأمر أحَدٌ أقوى عليه منه. وسَمعَ بعضُ أصحاب النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، بدخول عبد الرّحمن وعثمان على أبي بكر وخَلْوَتِهِما به فدخلوا به فدخلوا على أبي بكر فقال له قائلٌ منهم: ما أنت قائلٌ لربّك إذا سألك عن استخلافك عُمَرَ علينا وقد تَرى غِلْظَتَه؟ فقال أبو بكر: أجْلِسوني، أبالله تُخَوفوني؟ خابَ مَنْ تَزَوَّد من أمركم بظُلم، أقولُ اللّهمّ استخلفتُ عليهم خير أهلك، أَبْلِغ ما قلت لك مَنْ وَرَاءَك.

ثمّ اضطجع ودعا عثمان بن عفّان فقال: اكتب: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، هذا ما عَهِدَ أبو بكر بن أبي قُحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها وعند أوّل عهده بالآخرة داخلًا فيها حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويَصْدُقُ الكاذب، إني استخلفتُ عليكم بعدي عمر بن الخطّاب فاسمَعوا له وأطيعوا، وإني لم آلُ الله ورسولَه ودينَه ونفسي وإيّاكم إلاّ خيرًا، فإنْ عَدَل فذلك ظنَّي به وعلمي فيه، وإنْ بدّل فلكلّ امرئ ما اكتَسَبَ من الإثم، والخير أردتُ ولا أعلم الغَيْبَ، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون} [الشعراء: من الآية227]، والسّلامُ عليكم ورحمةُ الله. ثمّ أمر بالكتاب فختمه.

ثمّ قال بعضهم لمّا أمْلى أبو بكر صدرَ هذا الكتاب: بَقيَ ذكرُ عُمَرَ فذُهِبَ به قبل أنْ يُسَمّيَ أحَدًا. فكتب عثمان: إني قد استخلفتُ عليكم عمرَ بن الخطّاب، ثمّ أفاق أبو بكر فقال: اقْرَأ عَلَيّ ما كَتَبْتَ، فقَرَأ عليه ذِكْرَ عُمَرَ فكَبّرَ أبو بكر وقال: أراك خِفْتَ إنْ أقْبَلَتْ نفسي في غَشْيَتي تلك يَخْتَلِف النّاسُ فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيرًا، والله إنْ كنتَ لها لأهْلًا.

ثمّ أمره فخرج بالكتاب مختومًا ومعه عمر بن الخطّاب وأُسَيْد بن سعيد القُرَظيّ فقال عثمان للنّاس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم، وقال بعضهم: قد عَلِمْنَا به، قال ابن سعد: عليّ القائل وهو عمر، فأقَرّوا بذلك جميعًا ورَضوا به وبايعوا ثمّ دعا أبو بكر عمر خاليًا فأوصاه بما أوصاه به، ثمّ خرج من عنده فرفع أبو بكر يديه مَدًّا فقال: اللهمّ إني لم أُرِدْ بذلِك إلاّ صلاحَهم وخِفْتُ عليهم الفتنةَ فعملتُ فيهم بما أنت أعْلَمُ به واجتهدتُ لهم رَأيي فوَلّيْتُ عليهم خَيْرَهم وأقواهم عليهم وأحرَصهم على ما أرشدهم وقد حَضَرَني من أمرِكَ ما حضر فاخْلُفني فيهم فَهُمْ عبادُك ونَوَاصيهم بيدك أصْلِحْ لهم وإليهم واجْعَلْه من خُلفائك الراشدين يَتّبعْ هُدى نبيّ الرّحْمَةِ وهُدى الصالحين بعده وأصْلِحْ له رَعيّتَه.

قال: أخبرنا أبو معاوية الضّرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: لمّا ثقل أبو بكر قال: أيّ يوم هذا؟ قالت: قلنا يوم الإثنين، قال: فأيّ يومٍ قُبضَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قالت: قلنا قُبض يومَ الإثنين، قال: فإني أرجو ما بيني وبَينَ الليل. قالت وكان عليه ثوب فيه رَدْعٌ من مِشْقٍ فقال: إذا أنا مِتّ فاغسلوا ثوبي هذا وضمّوا إليه ثوبَين جديدين وكفّنوني في ثلاثة أثواب، فقلنا ألا نَجْعَلُها جُدُدًا كلّها؟ قال فقال: لا، إنّما هو للمُهْلَةِ، الحَيّ أحَقّ بالجديد من الميّت. قالت فمات ليلة الثلاثاء، رحمه الله.

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا حمّاد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة أنّ أبا بكر قال لها: في أيّ يوم مات رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قالت: في يوم الاثنين، قال: ما شاء الله إني لأرجو فيما بيني وبين الليل، قال: ففيمَ كَفّنْتُمُوه؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سَحُوليّة يَمانِيَة ليس فيها قميص ولا عِمامَة، فقال أبو بكر: انْظري ثَوْبي هذا فيه رَدْعُ زَعْفَرَان أو مِشْقٍ فاغسليه واجعلي معه ثوبين آخَرَين فقالت عائشة: يا أبتِ هو خَلَقٌ، فقال: إنّ الحيَ أحقّ بالجديد وإنّما هو للمُهْلة. وكان عبد الله بن أبي بكر أعْطاهم حُلّةً حِبَرَةً فأُدْرِجَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فيها ثمّ استخرجوه منها فكُفّن في ثلاثة أثواب بيض، فأخذ عبد الله الحُلّة فقال: لأكَفّنَنّ نفسي في شيءٍ مَسّ النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، ثمّ قال بعد ذلك: والله لا أكَفّنُ في شيءٍ مَنَعَهُ اللُّه نبيّه أنْ يُكَفّنَ فيه، ومات أبو بكر ليلة الثلاثاء ودفن ليلًا، وماتت عائشة ليلًا فدفنها عبد الله بن الزُّبير ليلًا.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أُسامة بن زيد اللّيثيّ عن محمّد بن حمزة بن عمرو عن أبيه قال: وأخبرنا عمر بن عمران بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي بكر الصّدّيق عن عمر بن حُسين مولى آل مظعون عن طلحة بن عبد اللَّه بن عبد الرّحمن بن أبي بكر قال: وأخبرنا محمّد بن عبد الله عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة قالوا: كان أوّلُ بَدْءِ مرض أبي بكر أنّه اغتسل يوم الإثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يومًا باردًا فحُمّ خمسة عشر يومًا لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بن الخطّاب يصلّي بالنّاس، ويَدْخُلُ النّاس عليه يعودونه وهو يثقل كل يومٍ وهو نازل يومئذ في داره التي قطع له النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وجاهَ دار عثمان بن عفّان اليوم، وكان عثمان ألْزَمَهُم له في مرضه، وتوفي أبو بكر، رحمه الله، مساء ليلة الثلاثاء لثمّاني ليالٍ بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من مُهاجَر النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليالٍ وكان أبو معشر يقول سنتين وأربعة أشهر إلاّ أربع ليالٍ، وتوفي، رحمه الله، وهو ابن ثلاثٍ وستّين سنة، مُجْمَعٌ على ذلك في الروايات كلّها، استوفى سِنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. وكان أبو بكر وُلد بعد الفيل بثلاث سنين.

قال: أخبرنا يحيَى بن عبّاد قال: أخبرنا شعبة قال: أخبرني أبو إسحاق عن عامر بن سعد عن جرير أنّه سمع معاوية يقول: توفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستّين سنة.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا شريكُ عن أبي إسحاق قال: مات أبو بكر وهو ابن ثلاثٍ وستّين سنة.

قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن يحيَى بن سعيد عن سعيد بن المسيّب قال: استكمل أبو بكر في خلافته سِنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فتوفي وهو ابن ثلاث وستّين سنة.

قال: أخبرنا عليّ بن عبد الله بن جعفر قال: أخبرنا سُفيان بن عُيينة قال: سمعتُ عليّ بن زيد بن جُدْعان يحدّث عن أنس قال: كان أسنّ أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أبو بكر وسُهيل بن بيضاء.

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح عن شعبة عن سعد بن إبراهيم أنّ أبا بكر أوصى أن تَغْسِلَه امرأتُه أسْماءُ.

قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: حدّثنا همّام عن قتادة أنّ أبا بكر غسلته امرأته أسماءُ بنتُ عُميس.

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح عن محمّد بن شريك عن ابن أبي مُليكة أنّ أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماءُ.

أخبرنا عبد الله بن نُمير عن سعيد عن قتادة عن الحسن أنّ أبا بكر أوصى أن تغسله أسماء.

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح والفضل بن دُكين عن سفيان عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم أنّ أبا بكر غسلته امرأته أسماء.

قال: أخبرنا عبد الله بن نُمير قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن أبي بُردة عن أبي بكر بن حفص أنّ أبا بكر أوصى أسماءَ بنتُ عُميس أن تغسله إذا مات وعَزَمَ عليها: لمّا أفْطَرْتِ لأنّهُ أقْوى لك، فَذَكَرَتْ يمينه من آخر النّهار فدعت بماءٍ فشربت وقالت: والله لا أُتْبِعُه اليوم حنثًا.

قال: أخبرنا مُعاذ بن مُعاذ ومحمّد بن عبد الله الأنصاريّ قالا: أخبرنا أشعث عن عبد الواحد بن صَبِرَةَ عن القاسم بن محمّد أنّ أبا بكر الصّدّيق أوصى أن تغسله امرأتُه أسماءُ فإن عجزت أعانَها ابنُها منه، محمّدٌ.

قال محمّد بن عمر: وهذا وَهَلٌ، وقال محمّد بن سعد: هذا خَطَأٌ.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا ابن جُريج عن عطاء قال: أوصى أبو بكر أن تغسله امرأتُه أسماء بنت عُميس فإن لم تستطع استعانت بعبد الرّحمن بن أبي بكر.

قال محمّد بن عمر: وهذا الثبت، وكيف يُعينُها محمّدٌ ابنها وإنّما وَلَدَتْه بذي الحُليفة في حجّة الوداع سنةَ عشرٍ وكان له يومَ توفي أبو بكر ثلاث سنين أو نحْوها؟

قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا أبو معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنّ أبا بكر غسّلته أسماءُ بنت عُميس.

قال: أخبرنا معن ابن عيسى قال: أخبرنا مالك بن عبد الله بن أبي بكر أنّ أسماءَ بنت عُميس امرأة أبي بكر الصّدّيق غسلت أبا بكر حين توفي ثمّ خرجت فسَألَتْ من حَضَرَهَا من المهاجرين فقالت: إني صائمة وهذا يومٌ شديدُ البرد فهل عليّ غُسْلٌ؟ قالوا: لا.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن جعفر عن أبي عُبيد حاجب سليمان عن عطاء قال: غسلته في غداة باردة فسألت عثمان هل عليها غُسْل؟ فقال: لا وعمر يسمع ذلك ولا يُنْكِرُه.

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح عن حنظلة عن القاسم بن محمّد قال: كُفّن أبو بكر في رَيْطَتَين، ريطة بيضاء وريطة ممصّرة، وقال: الحيّ أحوج إلى الكسوة من الميّت، إنّما هو الكفن لِما يَخْرُجُ من أنْفه وفيه.

أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حُميد الطُويل عن بكر بن عبد الله المُزَني أنّ أبا بكر كُفّن في ثوبين.

قال: أخبرنا عبد الله بن نُمير عن عُبيد الله بن عمر عن عبد الرّحمن بن القاسم عن أبيه قال: كُفّن أبو بكر في ثلاثة أثواب أحدها ثوب ممصّر.

قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك عن يحيَى بن سعيد قال: بلغني أن أبا بكر الصّدّيق قال لعائشة وهو مريض: في كم كُفّنَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثة أثواب سَحُوليّة، فقال أبو بكر: خذوا هذا الثوب، لِثَوْب عليه قد أصابه مِشْقٌ أو زعفران، فاغسلوه ثمّ كفّنوني فيه مع ثوبين آخرين، فقالت عائشة: وما هذا؟ قال أبو بكر: الحيّ أحوج إلى الجديد من الميّت، وإنّما هو للمُهْلة.(*)

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا مِنْدَلٌ عن لَيْث عن عَطَاءٍ قال: كُفّن أبو بكر في ثوبين غسيلين.

قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الأسديّ قال: أخبرنا سُفيان عن عبد الرّحمن بن القاسم عن أبيه أنّ أبا بكر كُفّن في ثلاثة أثواب.

قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسيّ قال: أخبرنا شُعبة قال: سألتُ عبد الرّحمن بن القاسم عن أبي بكر في كم كُفّن، قال: في ثلاثة أثواب، قلت: مَنْ حَدّثَكُم؟ قال: سمعتُه من محمّد بن عليّ.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا زُهير عن أبي إسحاق قال: كُفّن أبو بكر في ثوبين.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا سُفيان وشريك عن عِمران بن مسلم عن سُويد بن غَفَلَةَ قال: كُفّن أبو بكر في ثوبين، قال شريك معقّدين.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا زُهير عن عِمران بن مسلم عن سُويد بن غَفَلَة أنّ أبا بكر كُفّن في ثوبين من هذه الثياب الموصولة.

قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الأسديّ قال: أخبرنا كثير بن زيد عن المطّلب بن عبد الله أنّ أبا بكر أمرهم أن يَرْحَضوا أخْلاقه فيدفنوه فيها. قال: ودُفن ليلًا.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا سيف بن أبي سليمان قال: سمعتُ القاسم ابن محمّد قال: قال أبو بكر حين حَضَرَه الموت: كفّنوني في ثوبيّ هذين اللّذين كنتُ أصَلّي فيهما واغسلوهما فإنّهما للمُهْلة والتراب.

قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسيّ وعفّان بن مسلم والحسن بن موسى الأشْيَبُ قالوا: أخبرنا شُعبة عن محمّد بن عبد الرّحمن عن عَمَرة عن عائشة قالت: قال أبو بكر: اغسلوا ثوبي هذا وكَفّنوني فيه فإنّ الحيّ أفقر إلى الجديد من الميّت.

قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا القاسم بن الفضل قال: أخبرنا عبد الرّحمن ابن القاسم أنّ أبا بكر الصّدّيق كُفّن في ثوبين غَسيلَين سَحوليّين من ثياب اليمن، وقال أبو بكر: الحيّ أولى بالجديد، إنّما الكفن للمُهْلة.

قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الأنصاريّ قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيّب أنّ أبا بكر كُفّن في ثوبين أحدهما غَسيلٌ.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا معمر ومحمّد عن الزّهريّ عن عروة عن عائشة قالت: أوصى أبو بكر أن يُكَفّن بثوبين عليه كان يَلْبَسُهُما، قال: كفّنوني فيهما فإنّ الحيّ هو أفقر إلى الجديد من الميّت.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني ابن جُريج عن عطاء عن عُبيد بن عُمير قال: كُفّن أبو بكر في ثوبين أحدهما غسيل.

قال: أخبرنا عبد الملك بن عَمرو أبو عامر العَقَديّ قال: أخبرنا خالد بن إلياس عن صالح بن أبي حَسّان أنّ عليّ بن الحسين سأل سعيد بن المسيّب أيْنَ صُلّيَ على أبي بكر؟ فقال: بين القبر والمنبر، قال: من صَلّى عليه؟ قال: عمر، قال: كم كَبّرَ عليه؟ قال: أربعًا.

قال: أخبرنا شَبابة بن سَوّار الفزاريّ قال: أخبرنا عبد الأعلى بن أبي المساور عن حمّاد عن إبراهيم قال: صَلّى عمر على أبي بكر فكبّر عليه أربعًا.

قال: أخبرنا وكيع عن كثير بن زَيد عن المطّلب بن عبد الله بن حَنْطَب أنّ أبا بكر وعُمر صُلّيَ عليهما في المسجد تُجاه المنبر.

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح وعبد الله بن نُمير عن هشام بن عُروة عن أبيه، قال وكيع أو غيره شَكّ هشام، وقال ابن نُمير عن أبيه ولم يشُكّ، أنّ أبا بكر صُلّيَ عليه في المسجد.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا خالد بن إلياس عن صالح بن يزيد مولى الأسود قال: كنت عند سعيد بن المسيّب فمرّ عليه عليّ بن حسين فقال: أين صُلّيَ على أبي بكر؟ فقال: بين القبر والمنبر.

قال: حدّثنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا خالد بن إلياس عن أبي عُبيدة بن محمّد بن عمّار عن أبيه أنّ عمر كَبّرَ على أبي بكر أربعًا.

قال: أخبرنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمّد عن هشام بن عروة عن أبيه أنّ أبا بكر صُلّي عليه في المسجد.

قال: أخبرنا الفضل بن دُكين قال: أخبرنا حفص بن غياث عن ابن جُريج عن محمّد بن فلان بن سعد أنّ عمر حين صَلّى على أبي بكر في المسجد رَجّعَ.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا معمر عن الزّهريّ قال: وحدّثنا كثير بن زيد عن المطّلب بن عبد الله بن حَنْطَب قالا: الذي صلّى على أبي بكر عمرُ بن الخطّاب وصلّى صُهَيْبٌ على عمر.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني عبد الله بن نافع عن أبيه قال: صلّى عمر على أبي بكر.

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح عن هشام بن عروة عن أبيه أو غيره، شَكّ هشام أنّ أبا بكر دُفن ليلًا.

قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابيّ قال: أخبرنا همّام عن هشام بن عروة قال: حدّثني أبي أنّ عائشة حدّثته قالت: توفي أبو بكر ليلًا فدفنّاه قبل أنْ نصبح.

قال: أخبرنا وكيع بن الجرّاح عن موسى بن عليّ عن أبيه عن عُقبة بن عامر قال: سُئِل أيُقْبَرُ الميّتُ ليلًا؟ فقال: قد قُبر أبو بكر بالليل.

قال: أخبرنا أبو معاوية الضّرير قال: أخبرنا ابن جُريج عن إسماعيل بن محمّد بن سعد عن ابن السبّاق أنّ عمر دَفَنَ أبا بكرٍ ليلًا ثمّ دخل المسجد فأوْتَرَ بثلاث.

قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا عبد الله بن المؤمَّل عن ابن أبي مُليكة أنّ أبا بكر دُفن ليلًا.

قال: أخبرنا محمّد بن مُصْعَب القرقسانيّ عن الأوزاعيّ عن يحيَى بن سعيد أنّ أبا بكر دُفن ليلًا.

قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم قال: أخبرنا الوليد بن أبي هشام عن القاسم بن محمّد قال: دفن أبو بكر ليلًا.

قال: أخبرنا محمّد بن ربيعة الكلابيّ عن كثير بن زيد عن المطّلب بن عبد الله بن حَنْطَب أنّ أبا بكر الصّدّيق دُفن ليلًا.

قال: أخبرنا مُطَرّف بن عبد الله اليساريّ قال: أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن محمّد بن عبد الله عن ابن شهاب، بلغه أنّ أبا بكر دُفن ليلًا، دَفنه عمر بن الخطّاب.

قال: أخبرنا أنس بن عياض عن يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب أنّ عمر دَفَن أبا بكر ليلًا.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرَة عن خالد ابن رَباح عن المطّلب بن عبد الله بن حَنْطَب عن ابن عمر قال: حضرتُ دفن أبي بكر فنزل في حُفرته عمرُ بن الخطّاب وعثمان بن عفّان وطلحة بن عبد الله وعبد الرّحمن بن أبي بكر، قال ابن عمر فأرَدتُ أن أنزل فقال عمرُ كُفيتَ.

قال: أخبرنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا يونس بن يزيد عن الزّهريّ عن سعيد بن المسيّب قال: لمّا توفّي أبو بكر أقامت عليه عائشة النّوْح فبلغ عُمَرَ فجاءَ فنهاهنّ عن النوح على أبي بكر، فأبَينَ أن يَنْتَهِينَ، فقال لهشام بن الوليد: أخْرِجْ إليّ ابنةَ أبي قُحافة، فعلاها بالدِّرّةِ ضَرَباتٍ فتفرّق النوائح حين سَمِعْنَ ذلك، وقال: تُرِدْنَ أنْ يعَذَّبَ أبو بكر ببُكائكنّ؟ إنّ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم، قال: "إنّ الميّت يُعَذَّبُ ببُكاءِ أهْله عليه".(*)

قَال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا مالك بن أبي الرّجال عن أبيه عن عائشة قالت: توفي أبو بكر بين المغرب والعشاء فأَصبحنا فاجتمع نساءُ المهاجرين والأنصار وأقاموا النّوح وأبو بكر يُغسل ويكفّن، فأمر عمر بن الخطّاب بالنُّوَّح فَفُرّقْنَ فوالله على ذلك إنْ كُنّ لَيُفَرَّقْنَ ويَجْتَمِعِنَ.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرَة عن عمر بن عبد الله بن عروة أنّه سمع عروة والقاسم بن محمّد يقولان: أوصى أبو بكر عائشةَ أن يدْفَنَ إلى جَنْبِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلمّا توفّي حُفر له وجُعل رأسُه عند كَتِفَيْ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأُلصِقَ اللّحدُ بقبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقُبر هناك.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني ربيعة بن عثمان عن عامر بن عبد الله بن الزُّبير قال: رَأسُ أبي بكر عند كَتِفَيْ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ورأسُ عمر عند حَقْوَيْ أبي بكر.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: حدّثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرَة عن عمرو ابن أبي عمرو عن المطّلب بن عبد الله بن حَنْطَب قال: جُعِلَ قبرُ أبي بكر مثلَ قبر النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، مُسَطّحًا ورُشّ عليه الماء.

قال: أخبرنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فُديك عن عمرو بن عثمان بن هانئ عن القاسم ابن محمّد قال: دخلت على عائشة فقلت: يَا أُمَّتِ اكْشِفي لي عن قبر النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، وصاحبَيْه، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مُشْرِفَةٍ ولا لاطئةٍ مبطوحةٍ ببَطْحاءِ العَرْصَةِ الحمراءِ، قال: فرأيتُ قبر النّبي،ّ صَلَّى الله عليهَ وسلم، مُقَدّمًا وقبرَ أبي بكر عند رأسه، ورأسَ عمر عندَ رِجْلِ النّبي،ّ صَلَّى الله عليه وسلم، قال عمرو بن عثمان فوصف القاسمُ قبورهم.

قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار أنّه قال: رأيتُ عبد الله بن عمر يقف على قبر النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، فيصلّي على النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، ويدعو لأبي بكر وعمر.

قال: أخبرنا عُبيد الله بن موسى قال: أخبرنا أبو عَقيل عن رجل قال: سئل عليّ عن أبي بكر وعمر فقال: كانا إمامَيْ هدًى راشدَيْن مُرْشِدَيْن مُصْلِحَيْن مُنْجِحَيْن خَرَجا من الدّنيا خَميصَيْن.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا الضحّاك بن عثمان عن عُمارة بن عبد الله بن صيّاد عن ابن المسيّب قال: سمع أبو قُحافة الهائعة بمكّة فقال: ما هذا؟ قال: توفّي ابنك، قال: رُزْءٌ جليل، مَنْ قام بالأمر بعده؟ قالوا: عمر، قال، صاحبُه.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا شُعيب بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر عن أبيه قال: وَرِثَ أبا بكر الصديّق أبوه أبو قُحافة السّدْسَ ووَرِثَه معه ولده عبدُ الرحمن ومحمد وعائشةُ وأسماءُ وأمّ كلثوم بنو أبي بكر وامرأتاهُ أسْماءُ بنت عميس وحبَيبةُ ابنة خارجةَ بن زيد بن أبي زهير من بلحارث بن الخَزْرَج، وهي أمّ أمّ كلثوم وكانت بها نَسْأً حين توفّي أبو بكر، رحمه الله.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا إسحاق بن يحيَى بن طلحة قال: سمعتُ مُجاهدًا يقول: كُلّمَ أبو قُحافة في ميراثه من أبي بكر الصدّيق، رحمه الله، فقال: قد رَدَدتُ ذلك على ولد أبي بكر.

قالوا: ثمّ لم يَعِشْ أبو قحافة بعد أبي بكر إلاّ ستّة أشهر وأيّامًا، وتوفّي في المحرّم سنة أربع عشرة بمكّة وهو ابن سبع وتسعين سنة.

قال: أخبرنا عمرو بن الهيثمّ أبو قَطَنٍ قال: أخبرنا الربيع عن حِبّان الصائغ قال: كان نقش خاتم أبي بكر نعم القادر الله.

قال: أخبرنا معن بن عيسى وأبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس قالا: أخبرنا سليمان ابن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه أنّ أبا بكر الصدّيق تختّم في اليسار.

قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حمّاد بن زيد عن أيّوب وهشام عن محمّد بن سيرين قال: مات أبو بكر ولم يَجْمَع القرآن.

قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو معاوية عن السّرِيّ بن يحيَى عن بسطام بن مسلم قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لأبي بكر وعمر: "لا يَتَأمّرُ عليكما أحدٌ بعدي".(*)

قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله الأنصاريّ قال: أخبرنا ابن عون عن محمّد أنّ أبا بكر قال لعمر: ابْسطْ يدك نبايعْ لك، فقال له عمر: أنت أفضل منّي، فقال له أبو بكر: أنت أقوى منّي، فقال له عمر: فإنّ قوّتي لك مع فَضْلك، قال فبايعه.

قال: أخبرنا الحسن بن موسى الأشيب قال: أخبرنا زُهير قال: أخبرنا عروة بن عبد الله بن قُشير قال: لقيتُ أبا جعفر وقد قَصِعَتْ لحيتي فقال: ما لكَ عن الخضاب؟ قال: قلت: أكرهه في هذا البلد، قال: فاصْبغْ بالوَسِمَة فإني كنتُ أخْضِبُ بها حتى تَحَرّكَ فمي، ثمّ قال إنّ أناسًا من حَمْقى قُرّائِكم يزعمون أنّ خِضابَ اللّحى حرام وأنّهم سألوا محمّد بن أبي بكر أو القاسم بن محمّد، قال زُهير الشكّ من غيري، عن خِضاب أبي بكر فقال: كان يخضب بالحنّاء والكتم فهذا الصِّدّيق قد خَضَبَ، قال: قلتُ الصِّدّيق؟ قال: نعم وربّ هذه القبلةِ أو الكعبة إنّه الصِّدّيق.

قال: أخبرنا وهب بن جرير قال: أخبرنا أبي سمعت الحسن قال: لمّا بويع أبو بكر قام خطيبًا فلا والله ما خَطَبَ خِطْبَتَه أحدٌ بعدُ فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد فإنّي وَليتُ هذا الأمر وأنا له كارهٌ ووالله لوَدِدْتُ أنّ بعضكم كَفانيه، ألا وإنّكم إنْ كلّفتموني أنْ أعْمَلَ فيكم بمثل عَمَل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، لم أقُمْ به كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عَبْدًا أكرمه اللُّه بالوَحْي وعَصَمَهُ به، ألا وإنّما أنا بشَرٌ ولستُ بخير من أحَدٍ منكم فراعوني، فإذا رأيتموني استقمتُ فاتْبَعوني وإنْ رأيتموني زُغْتُ فقوّموني، واعلموا أنّ لي شيطانًا يعتريني فإذا رأيتموني غضبتُ فاجْتَنبوني لا أؤثّرُ في أشعاركم وأبْشاركم.

قال: أخبرنا عفّان بن مسلم قال: أخبرنا وُهيب بن خالد قال: أخبرنا داود بن أبي هند عن أبي نَضْرَةَ عن أبي سعيد الخدريّ قال: لمّا توفي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قامت خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول يا معشر المهاجرين إنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، كان إذا استعملَ رجلًا منكم قَرَنَ معه رجلًا منّا فنرَى أن يَليَ هذا الأمر رجُلان أحدهما منكم والآخر منّا. قال: فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك فقام زيد بن ثابت فقال: إنّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، كان من المهاجرين وإنّ الإمام إنّما يكون من المهاجرين ونحن أنصاره كما كنّا أنصار رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. فقام أبو بكر فقال: جَزاكم الله من حَيٍّ خَيرًا يا معشر الأنصار وثبّت قائلكم. ثمّ قال: أما والله لو فعلتم غير ذلك لما صَالحَناكم.

قال: أخبرنا محمّد بن عمر قال: أخبرنا محمّد بن يحيَى بن سهل بن أبي حَثْمَةَ عن أبيه عن جدّه قال: أخبرنا عبد الملك بن وهب عن ابن صُبيحة التيميّ عن آبائه عن جدّه صُبيحة قال: وأخبرنا عبد الرّحمن بن محمّد بن أبي بكر عن أبيه عن حنظلة بن قيس الزُّرَقّي عن جُبير بن الحُويرث قال: وأخبرنا محمّد بن هلال عن أبيه، دخل حديثُ بعضهم في حديث بعض، أنّ أبا بكر الصّدّيق كان له بيتُ مال بالسُّنح معروف ليس يَحْرِسُه أحَدٌ، فقيل له: يا خليفة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ألا تَجْعَلُ على بيت المال مَنْ يحرسه؟ فقال: لا يُخافُ عليه، قلت: لِمَ؟ قال: عَلَيْهِ قُفْلٌ. قال: وكان يُعطي ما فيه حتّى لا يبقى فيه شيءٌ، فلمّا تَحَوّل أبو بكر إلى المدينة حَوّله فجعل بيتَ ماله في الدّار التي كان فيها، وكان قَدِمَ عليه مالٌ من مَعْدِنِ القَبَليّةِ ومن معادن جُهينة كثير وانفتح معدن بني سُليم في خلافة أبي بكر فَقُدِمَ عليه منه بصَدَقَته فكان يوضعُ ذلك في بيت المال فكان أبو بكر يَقْسِمُه على النّاس نُقَرًا نُقَرًا فيصيب كل مائة إنسان كذا وكذا، وكان يُسَوّي بين النّاس في القَسْم الحُرّ والعَبْد والذَّكَر والأُنثى والصغير والكبير فيه سواءٌ، وكان يشتري الإبلَ والخَيلَ والسلاحَ فيَحمِلُ في سبيل الله، واشترى عامًا قطائفَ أتى بها من البادية ففَرقَها في أرامل أهل المدينة في الشتاء، فلمّا توفي أبو بكر ودُفِنَ دعا عمر بن الخطّاب الأمناء ودخلَ بهم بيتَ مال أبي بكر ومعه عبد الرّحمن بن عوف وعثمان بن عفّان وغيرهما ففتحوا بيت المال فلم يجدوا فيه دينارًا ولا درهمًا ووجدوا خَيْشة للمال فَنُفِضَتْ فوجدوا فيها درهمًا فرحّموا على أبي بكر. وكان بالمدينة وَزَّانٌ على عهد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان يزن ما كان عند أبي بكر من مال، فسُئل الوزّان كم بَلَغَ ذلك المال الذي وَرَدَ على أبي بكر؟ قال: مائتي ألف.
(< جـ3/ص 155>)
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال