1 من 1
سياق طرف من خطبه ومواعظه وكلامه رضي الله عنه:
روى هشام بن عروة، عن أبيه قال: لما ولي أبو بكر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهل ثم قال: أما بعد أيها الناس، قد وليت عليكم ولست بخيركم، ولكن قد نزل القرآن، وسن النبي صَلَّى الله عليه وسلم السنن فعلمنا، اعلموا أن أكيس الكيس التقوى، وأن أحمق الحمق الفجور، إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق، أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوموني.
روى الحسن قال: لما بويع أبو بكر قام خطيبًا، فلا والله ما خطب خطبته أحد بعد، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإني وليت هذا الأمر وأنا كاره له، والله لوددت أن بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم مثل عمل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لم أقم به، كان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عبدًا أكرمه الله بالوحي وعصمه به، ألا وإنما أنا بشر، ولست بخير من أحد منكم، فراعوني، فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني، واعلموا أن لي شيطانًا يعتريني، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم.
روى يحيى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان يقول في خطبته: أين الوضآه الحسنةُ وجوههم المعجبون بشأنهم؟ أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحيطان؟ أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ قد تضعضع بهم الدهر فأصبحوا في ظلمات القبور، الوحا الوحا، النجاء النجاء.
روى عبد الله بن حكيم قال: خطبنا أبو بكر فقال: أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحاف بالمسألة، إن الله أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90]، اعلموا عباد الله: أن الله قد ارتهن بحقه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم لا تفنى عجائبه، ولا يطفأ نوره، فصدقوا قوله، وانتصحوا كتابه، واستضيئوا منه ليوم القيامة، وإنما خلقكم لعبادته، ووَكّل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون، ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في مهل آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم فتردكم إلى سوء أعمالكم، فإن أقوامًا جعلوا آجالهم لغيرهم، ونسوا أنفسهم فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم، الوحا الوحا النجا النجا، إن وراءكم طالبًا حثيثًا أمره سريع.
قال عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط: لما حضر أبا بكر الصديق الموت دعا عمر، فقال له: اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عملًا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملًا بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي فريضته، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقلِه عليهم، وحُق لميزان يوضع فيه الحق غدًا أن يكون ثقيلًا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدًا أن يكون خفيفًا، وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئه، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأخاف ألا ألحق بهم، وإن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، ورد عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأرجو ألا أكون مع هؤلاء، ليكون العبد راغبًا راهبًا، لا يتمنى على الله، ولا يقنط من رحمة الله، فإن أنت حفظت وصيتي فلا يك غائب أحب إليك من الموت وهو آتيك، وإن أنت ضيعت وصيتي فلا يك غائب أبغض إليك من الموت، ولست تُعجزه.
روت عائشة قالت: لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال: انظروا ماذا زاد في مالي منذ دخلت في الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي، فنظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه، وإذا ناضح كان يسقي بستانًا له، فبعثنا بهما إلى عمر، قالت: فأخبرني جدي أن عمر بكى وقال: رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعبًا شديدًا.
وعنها قالت: لما ثقل أبو بكر قال: أي يوم هذا؟ قلنا يوم الاثنين، قال: فإني أرجو ما بيني، وبين الليل قالت: وكان عليه ثوب عليه ردع من مشق فقال: إذا أنا مت فاغسلوا ثوبي هذا وضموا إليه ثوبين جديدين وكفنوني في ثلاثة أثواب فقلنا: أفلا نجعلها جددًا كلها؟ قال: لا، إنما هو للمهلة، فمات ليلة الثلاثاء. أخرجه البخاري.
قال سَلْمان دخلتُ على أبي بكر الصّدّيق في مرضه، فقلت: يا خليفة رسول الله، اعْهَدْ إليّ عَهْدًا فإنّي لا أراك تَعْهَدُ إليّ بعد يومي هذا، قال: أجل يا سلمان، إنّها ستكون فتوحٌ فلا أعْرِفَنّ ما كان من حظّك منها ما جعلتَ في بطنك أو ألقيته على ظهرك، واعلم أنّه من صلّى الصلوات الخمس فإنه يُصْبحُ في ذِمّةِ الله ويُمسي في ذمّة الله، فلا تَقْتُلَنّّ أحدًا من أهل ذمّة الله فيَطلُبك اللَّه بذمَّته فيُكِبّك الله على وجهك في النّار.
أخبرنا محمّد بن حُميد العبدي عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال أبو بكر: لأنْ أُوصي بالخُمْس أحَبّ إليّ من أن أوصي بالربع، ولأن أوصي بالرّبع أحبّ إليّ من أن أوصي بالثلث، ومَنْ أوْصى بالثلث فلم يَتركْ شيئًا.