تسجيل الدخول


أبو بكر الصديق بن أبي قحافة

1 من 2
عَبْدُ الْلَّهِ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو بَكْرٍ الْصِّدِّيْقِ

(ب د ع) عَبْدُ اللّهِ بنُ عُثْمَانَ بن عَامِرِ بن عَمْرو بن كَعْب بن سَعْد بن تَيْم بن مُرَّة بن كَعْب بن لُؤَيّ القُرَشِيّ التيمي، أَبو بكر الصدِّيق بن أَبي قُحَافة، واسم أَبي قُحَافة: عُثْمَان، وأُمه أُم الخَيْر سَلْمَى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وهي ابنه عَمّ أَبي قحافة، وقيل: اسمها: ليلى بنت صخر بن عامر. قاله محمد بن سعد، وقال غيره: اسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تَيْم. وهذا ليس بشيءٍ؛ فإِنها تكون ابنةَ أَخيه، ولم تكن العربُ تنكح بنات الإِخوة. والأَول أَصح.

وهو صاحبُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في الغار وفي الهجرة، والخليفة بعده.

روى عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم. وروى عنه: عمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، وابن عُمَر، وابن عباس، وحذيفة، وزيد بن ثابت، وغيرهم.

وقد اختلف في اسمه، فقيل: كان عبدَ الكعبة فسماه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عبد اللّه. وقيل: إِن أَهله سموه عبد اللّه. ويقال له: عتيق أَيضًا. واختلفوا في السبب الذي قيل له لأَجله عتيق، فقال بعضهم: قيل له: "عتيق" لحسن وجهه وجماله؛ قاله الليث بن سعد وجماعة معه. وقال الزبير بن بكار وجماعة معه: إِنما قيل له: "عَتِيق" لأَنه لم يكن في نسبه شيءٌ يعاب به. وقيل: إِنما سمي "عتيقًا" لأَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال له: "أَنْتَ عَتِيقُ الله مِنَ الْنَّارِ".(*)

أَخبرنا إِبراهيم بن محمد بن مِهْران الفقيه وغيره، قالوا: بإِسنادهم إِلى أَبي عيسى الترمذي، قال: حدثنا إِسحاق بـن موسى الأَنصاري، حدثنا مَعْن، حدثنا إِسحاقُ بن يحيى بن طلحة، عن عمه إِسحاقَ بن طلحة، عن عائشة: أَن أَبا بكر دخل على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال له: "أَنْتَ عَتِيْقٌ مِنَ الْنَّارِ"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 575 كتاب المناقب (50) باب (17) حديث رقم 3679 قال أبو عيسى هذا حديث غريب.. فيومئذ سمي عتيقًا وقد رُوِي هذا الحديث عن معن وقال: موسى بن طلحة، عن عائشة.

وقيل له: "الصديق" أَيضًا، لما أَخبرنا أَبو محمد بن أَبي القاسم الدمشقي إِذنًا، أَنبأَنا أَبي قال: أَنبأَنا أَبو سعد المُطَرِّز وأَبو علي الحَدَّاد قالا: أَخبرنا أَبو نُعَيْم، حدثنا أَبو محمد ابن حَيَّان، حدثنا محمد بن العَبَّاس، حدثنا المُفَضَّل بن غَسَّان، حدثنا محمد بن كَثِير، عن مَعْمَر، عن الزُّهْرِي، عن عروة، عن عائشة قالت: "لما أُسْرِي بالنبي صَلَّى الله عليه وسلم إِلى المسجد الأَقصى، أَصبح يُحَدِّث بذلك الناس، فارتدَّ ناس مِمَّن كان آمن وصدق به وفُتِنُوا فقال أَبو بكر: إِني لأُصدقه فيما هو أَبعد من ذلك أُصدّقه بخبر السماءِ غَدْوَة أَو رَوْحَة"، فلذلك سمي أَبو بكر الصدِّيق.

وقال أَبو مِحْجَن الثَّقَفِي: [الطويل]

وَسُمِّيتَ صِدِّيقــًا وَكُلُّ مُـهَاجِــــرٍ سِوَاكَ يُسَمَّى باسْمِــهِ غَيْرُ مُـنْكَـرِ

سَبَقْتَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْلَّهُ شَاهِـدٌ وَكُنْتَ جَلِيسًا فِي الْعَرِيشِ الْمُشَهَّـرِ

إِسْـــلَامُهُ

كان أَبو بكر رضي الله عنه من رؤُساءِ قريش في الجاهلية، مُحَبَّبًا فيهم، مَألَفًا لهم، وكان إِليه الأَشْنَاقُ في الجاهلية، والأَشْنَاق: الدِّيَات. كان إِذا حَمَل شيئًا صَدَّقته قريش وأَمضوا حَمَالَتَه وَحَمالة من قام معه، وإِن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه.

فلما جاءَ الإِسلامُ سَبَقَ إِليه، وأَسلم على يده جماعة لمحبتهم له، وميلهم إِليه، حتى إِنه أَسلم على يده خَمْسَةٌ من العشرة، وقد ذكرناه عند أَسمائِهم. وقد ذهب جماعة من العلماءِ إِلى أَنه أَول من أَسلم، منهم ابن عباس، من رواية الشعبي، عنه. وقاله حسان بن ثابت في شعره، وعَمْرو بن عَبُسَة، وإِبراهيم النَّخَعِي، وغيرهم.

أَخبرنا أَبو جعفر بن السمين بإِسناده إِلى يونس بن بكير، عن ابن اسحاق قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن الحُصَين التَّمِيمي أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إِلَى الْإِسْلَامِ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ عَنْهُ كَبْوَةٌ وَتَرَدُّدٌّ وَنَظَرٌّ، إِلاَّ أَبَا بَكْرٍ مَا عَتَّمَ حِيْنَ ذَكَرْتُهُ لَهُ مَا تَرَدَّدَ فِيْهِ".(*)

أَخبرنا الحافظ القاسم بن علي بن الحسن كتابة قال: حدثنا أَبي، قال: أَنبأَنا أَبو القاسم علي بن أَحمد بن محمد بن بَيان ـــ قال علي: ثم أَخبرنا أَبو البركات الأَنْمَاطِي قال: أَخبرنا أَبو الفضل بن خَيْرُون ـــ قالا أَخبرنا أَبو القاسم بن بِشْران، أَخبرنا أَبو علي الصَّوَّاف، حدثنا محمد بن عثمان بن أَبي شيبة، حدثنا الْمِنْجَاب بن الحارث، أَخبرنا إِبراهيم بن يوسف، حدثنا خلف العُرْفُطي أَبو أُمية، من ولد خالد بن عرفطة، عن ابن داب يعني عيسى بن يَزِيدَ قال قال أَبو بكر الصديق: "كنت جالسًا بفناءِ الكعبة، وكان زيد بن عمرو ابن نُفَيْل قاعدًا، فمر به أُمَيَّة بن أَبي الصَّلْت فقال: كيف أَصبحت يا باغي الخير؟ قال: بخير. قال: هل وجدت؟ قال: لا، ولم آلُ مِنْ طلب. فقال: [الخفيف]

كُلُّ دِيْنٍ يَوْمَ الْقِيَامَـةِ إِلاَّ مَا قَضَى الْلَّهُ وَالْحَنِيْفَةُ، بُـورُ

أَما إِن هذا النبي الذي ينتظر مِنَّا أَو منكم، أَو من أَهل فلسطين.

قال: ولم أَكن سمعتُ قبل ذلك بنَبىءٍ يُنْتَظَر أَو يُبْعَث. قال: فخرجتُ أُريد وَرَقَةَ بن نوفل وكان كثير النظر في السماءِ، كثير هَمْهَمَةِ الصَدر قال: فاستوقفتُه ثم اقتصصت عليه الحديث، فقال: نَعَم يا ابن أَخي، أَبَى أَهلُ الكتاب والعلماءُ إِلا أَن هذا النبي الذي ينتظر من أَوسط العرب نسبًا، ولي علمٌ بالنسب، وقومك أَوسط العرب نسبًا. قال: قلت: يا عَمِّ، وما يقول النبي؟ قال: يقول. ما قيل له إِلا أَنه لا ظُلْمَ ولا تظالمُ. فلما بُعِث النبي صَلَّى الله عليه وسلم آمنتُ وصدقتُ".

وأَخبرنا القاسم، عن أَبيه، قال: أَخبرنا أَبو الفتح نصرُ الله بن محمد حدثنا، نصر بن إِبراهيم، أَخبرنا علي بن الحسن بن عُمَر القرشي، حدثنا أَبو بكر محمد بن علي بن عمر الغازي النيسابوري، حدثنا أَبو العباس أَحمد بن الحسن الرازي بمكة، حدثنا أَبو محمد إِسماعيل بن محمد، حدثنا أَبو يعقوب القزويني الصوفي، حدثنا أَبو القاسم عبد اللّه بن محمد بن إِدريس الراسبي، حدثنا أَبو القاسم يحيي بن حميد التككي، حدثنا أَبو عبد اللّه ابن محمد بن الجراح، حدثنا أَبو خالد، عن عبد العزيز بن معاوية ـــ من ولد عَتَّاب بن أَسِيد ـــ حدثنا أَبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن منصور، عن زيد، عن خالد الجهني، عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال أَبو بكر الصديق: إِنه خرج إِلى اليمن قبل أَن يبعث النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فنزلت على شيخ من الأَزْد عالمٍ قد قرأَ الكتب، وعَلَم من علم الناس كثيرًا، فلما رآني قال: أَحسبك حِرْمِيًّا؟ قال أَبو بكر قلت: نعم، أَنا من أَهل الحَرم. قال: وأَحسبك قرَشِيًّا؟ قال قلت: نعم، أَنا من قُرَيْش. قال: وأَحسبك تَيْمِيًا قال قلت: نعم، أَنا من تَيْم بن مُرَّة، أَنا عبدُ اللّه بن عثمان، من ولد كعب بن سعد بن تيم بن مُرَّة. قال: بَقِيَت لي فيك واحدة. قلت: ما هي؟ قال: تكشف عن بطنك. قلت: لا أَفعل أَو تُخْبِرَني لم ذاك؟ قال: أَجد في العلم الصحيح الصادق أَن نبيًا يبعث في الحرم، يعاون على أَمره فتى وكهل، فأَما الفتى فخواض غَمَرَات ودَفَّاع مُعْضِلات، وأَما الكَهْل فأَبيضُ نحيفٌ، على بطنه شَامَةٌ، وعلى فخذه اليُسْرَى عَلاَمة، وما عليك أَن تريني ما سأَلتك، فقد تكاملت لي فيك الصفة إِلا ما خفي عَلَيَّ. قال أَبو بكر: فكشفت له عن بطني، فرأَى شَامَةً سَوْدَاءَ فـوق سُرَّتي. فقال: أَنت هو ورب الكعبة، وإِني متقدّم إِليك في أَمرِ فاحْذَره. قال أَبو بكر قلت: وما هو؟ قال: إِياك والميلَ عن الهدى، وتَمَسَّك بالطريقة المثلى الوسطى، وخَف الله فيما خَوَّلك وأَعْطاك.

قال أَبو بكر: فقضيت باليمن أَربي، ثم أَتيت الشيخ لأُودِّعه، فقال: أَحَامِل عني أَبياتًا من الشعر قلتها في ذلك النبي؟ قلت: نعم، فذكر أَبياتًا.

قال أَبو بكر: "فقدمت مكة، وقد بُعِث النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فجاءَني عقبة بن أَبي مُعَيْط، وشَيْبَة، ورَبيعة، وأَبو جَهْل، وأَبو البختريّ، وصناديد قريش، فقلت لهم: هل نابتَكم نائبة، أَو ظهر فيكم أَمرٌ؟ قالوا: يا أَبا بكر، أَعظم الخَطْب: يتيم أَبي طالب يزعم أَنه نبي، ولولا أَنت ما انتظرنا به، فإِذ قد جئت فأَنت الغاية والكفاية. قال أَبو بكر: فصرفتهم على أَحسن مَسِّ وسأَلت عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فقيل: في منزل خديجة. فقرعتُ عليه البابَ، فخرج إِلي، فقلت: يا محمد، فقدت من منازل أَهلك، وتركت دين آبائك وأَجدادك؟. قال: "يا أَبا بكر، إِني رسولُ الله إِليك وإِلى الناس كلِّهم، فآمِنْ بالله". فقلت: ما دليلك على ذلك؟ قال: "الشيخ الذي لقيت باليمن". قلت: وكم من شيخ لقيتُ باليمن؟ قال: "الشيخ الذي أَفادك الأَبيات". قلت: ومن خَبَّرَكَ بهذا يا حبيبي؟ قال: "المَلَكُ المعظم الذي يأَتي الأَنبياءَ قبلي". قلت: مُدَّ يَدَك، فأَنا أَشهد أَن لا إِله إِلا الله، وأَنك رسول الله.

قال أَبو بكر: فانصرفت وما بين لاَبَتَيْها أَشد سُرورًا من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بإِسلامي.

أَخبرنا غير واحد إِجازة قالوا: أَخبرنا أَبو غالب بن البناءِ، أَخبرنا أَبو محمد الجوهري، أَخبرنا عُبيد اللّه بن عبد الرحمن بن محمد، حدثنا محمد بن هارون بن حميد بن المُجَدَّر، حدثنا محمد بن حُمَيد، حدثنا عبد الرحمن بن مغراءَ، عن مجالد، عن الشعبي قال: سأَلت ابن عباس: من أَول من أَسلم؟ قال: أَبو بكر، أَما سمعت قول حسان: [البسيط]

إِذَا تَذَكَّرْتَ شَجْوًا مِنْ أَخِي ثِقَـةٍ فَاذْكُرْ أَخَاكَ أَبَا بَكْرِ بِمَا فَعَـلَا

خَيْرَ الْبَرِيَّةِ أَتْقَاهَــــــا وَأَعْـدَلـَـــــهَا بَعْدَ الْنَّبِيِّ وَأَوْفَاهَا بِمَا حَـمَـلَا

الثَّانِي التَّالِي المَحْمُودَ مَشْهَـــــــدُه وَأَوَّلَ النَّاسِ مِنْهُمْ صَدَّقَ الْرُّسُـلاَ

أَخبرنا يحيى بن محمود بن سعد إِجازة بإِسناده إِلى أَبي بكر بن الضحاك بن مَخْلَد، قال: حدثني محمد بن مُصَفَّى، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد اللّه بن العلاءِ، حدثني أَبو سَلاَّم الحَبَشِي: أَنه سمع عمرو بن عَبْسة السُّلَمي يقول: أُلْقِيَ في رُوعي أَن عبادة الأَوثان باطل، فسمعني رجل وأَنا أَتكلم بذلك، فقال: يا عَمْرو، بمكة رجل يقول كما تقول. قال: فأَقبلت إِلى مكة أَسأَل عنه، فأُخْبِرتُ أَنه مختف لا أَقدر عليه إِلا بالليل يطوف بالبيت، فقمت بين الكعبة وأَستارها، فما علمت إِلا بصوته يُهَلِّل الله، فخرجت إِليه فقلت: ما أَنت؟ قال: "رسول الله"، فقلت: وبم أَرسلك؟ قال: "أَن يُعبَدَ الله ولا يُشرَك به شيءٌ وتُحقَن الدِّماءَ، وتُوصَل الأَرحام". قال قلت: ومن معك على هذا؟ قال: "حر وعبد". فقلت: ابسط يدك أَبايعْك. فبسط يده فبايعتُه، فلقد رأَيتني وإِني لرابع الإِسلام أخرجه أحمد في المسند 4 / 111، 114..

وأَخبرنا إِسماعيل بن علي وغير واحد بإِسنادهم إِلى محمد بن عيسى السَّلمي. حدثنا أَبو سعيد الأَشج حدثنا عقبة بن خالد، حدثنا شعبة عن الجريري عن أَبي نضرة عن أَبي سعيد قال: قال، أَبو بكر: أَلَسْتُ أَحقَّ الناس بها؟ يَعني الخلافَة ـــ أَلستُ أَولُ من أَسلمَ؟ أَلستُ صاحبَ كذا؟ أَلستُ صاحبَ كذا؟ أخرجه الترمذي في السنن 5 / 571 كتاب المناقب (50) باب (16) حديث رقم 3667 وقال أبو عيسى هذا حديث غريب.

وقال إِبراهيم النَّخَعي: أَول من أَسلم أَبو بكر رضي الله عنه.

هِجْرَتُهُ مَعَ رَسُوْلِ الله صَلَّى الله عليه وسلم

هاجر أَبو بكر الصديق رضي الله عنه مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وصَحِبَه في الغار لما سارا مُهَاجرَيْن، وآنسه فيه، ووقاه بنفسه. قال بعض العلماءِ: لو قال قائل: إِن جميع الصحابة ما عدا أَبا بكر ليست لهم صحبة لم يكفر، ولو قال: إِن أَبا بكر لم يكن صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كفر، فإِن القرآن العزيز قد نطق أَنه صاحبه.

أَخبرنا أَبو جعفر عُبَيد اللّه بن أَحمد بن علي بإِسناد إِلى يونس بن بُكَير، عن ابن إِسحاق قال: وأَقام رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أَمر الله، عز وجل، فجاءَ جبريل عليه السلام وأَمره أَن يخرج من مكة بإِذن الله عز وجل له في الهجرة إِلى المدينة، فاجتمعت قريش فمكرت بالنبي صَلَّى الله عليه وسلم، فأَتاه جبريل وأَمره أَن لا يبيت مكانَه، ففعل، وخرج على القوم وهم على بابه، ومعه حفنة من تراب، فجعل يَنْثُرها على رؤوسهم، وأَخذ الله أَبصارهم.

وكان مخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعد العقبة بشهرين، وأَيام بويع أَوسط أَيام التشريق، وخرج لهلال ربيع الأَول. قاله ابن إِسحاق.

وقد كان أَبو بكر يستأَذنه في الخروج فيقول رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لاَ تَعْجَلْ، لَعَلَّ الله يَجْعَلُ لَكَ صَاحِبًا". فلما كانت الهجرة جاءَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم إِلى أَبي بكر وهو نائم فأَيقظه، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوْجِ". قالت عائشة: فلقد رأَيت أَبا بكر يبكي من الفرح، ثم خرجا حتى دخلا الغار فأَقاما فيه ثلاثًا.(*)

أَخبرنا أَبو ياسر بإِسناده إِلى عبد اللّه بن أَحمد قال: حدثني أَبي، حدثنا عفان، حدثنا همام، أَخبرنا ثابت، عن أَنس: أَن أَبا بكر حدثه قال، قلت للنبي صَلَّى الله عليه وسلم وهو في الغار ـــ وقال مرة: ونحن في الغار ـــ: لو أَن أَحدهم نظر إِلى تحت قدميه لأَبصرنا! قال فقال: "يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا"(*) أَخرجه أَحمد في المسند 1 / 4..

أَخبرنا أَبو القاسم الحُسَين بن هبة الله بن محفوظ بن صَصْرى التغلبي الدِّمَشْقِي، أَخبرنا الشريف أَبو طالب علي بن حَيْدَرَة بن جعفر العلوي الحُسَيني، وأَبو القاسم الحُسَين بن الحسن بن محمد الأَسدي قالا: أَخبرنا الفقيه أَبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أَبي العلاء المِصِّيصِيّ، أَخبرنا أَبو محمد عبد الرحمن بن عُثْمان بن القاسم بن أَبي نصر، أَخبرنا أَبو الحسن خيثمة بن سلمان بن حيدرة، حدثنا عبد اللّه بن أَحمد الدَّوْرَقِي، حدثنا عُبَيد اللّه بن محمد القرشي، حدثنا حَمَّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أَنس: أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم لما خرج مهاجرًا إِلى المدينة، كان أَبو بكر معه، وكان أَبو بكر أَعرف بذلك الطريق، وكان الرجل لا يزال قد عرف أَبا بكر، فيقول: يا أَبا بكر، من هذا معك؟ فيقول هذا يهديني السبيل أَخرجه أَحمد في المسند 3 / 122، 211، 287..

أَخبرنا أَبو الفضل عبد اللّه بن أَحمد بن عبد القاهر، أَخبرنا أَبو بكر أَحمد بن علي بن بدران الحُلْواني، أَخبرنا أَبو محمد الحسن بن علي بن محمد الفارسي، أَخبرنا أَبو بكر القطيعي، حدثنا عبد اللّه بن أَحمد، حدثني أَبي، حدثنا عمرو بن محمد أَبو سعيد، حدثنا إِسرائيل، عن أَبي إِسحاق، عن البَرَاءِ بن عازِب قال: اشترى أَبو بكر من عازب سَرْجًا بثلاثة عشر درهمًا. قال: فقال أَبو بكر لعازب: مُرِ البراءَ فَليحمله إِلى منزلي. فقال: لا، حتى تُحَدِّثنا كيف صنعـت حيث خرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأَنت معه. قال: فقال أَبو بكر: خرجنا فأَدْلَجْنا فأَحيينا يومنا وليلتنا، حتى أَظهرنا وقام قائم الظهيرة، فضربت ببصري: هل أَرى ظلًا نأوي إِليه؟ فإِذا أَنا بصخرة، فأَهويتُ إِليها فإِذا بقية ظلها، فسويته لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وفرشت له فَرْوَةً، وقلت: اضطجع يا رسول الله فاضطجع، ثم خرجت أَنظر هل أَرى أَحدًا من الطلب؟ فإِذا أَنا براعي غنم، فقلت: لمن أَنت. فقال: لرجل من قريش. فسماه فعرفتُهُ، فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قلت: هل أَنت حالبٌ لي؟ قال: نعم. فأَمرتُهُ فاعتقل شاة منها، ثم أَمرته فنفض ضَرْعها، ثم أَمرته فنفض كفيه من الغُبَار، ومعي إِداوة على فمها خرقة، فحلب لي كُثْبَـة من اللبن، فصببت على القدح، حتى برد أَسفله، ثم أَتيت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فوافيتُهُ وقد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله. فشَرِبَ حتى رضيتُ، ثم قلت: هل آن الرحيل؟ قال: فارتحلنا، والقوم يطلبوننـا، فلم يدركنا أَحد منهم إِلا سُراقة بن مالك بن جُعْشُم على فرس له، فقلت: يا رسول الله، هذا الطَلَبُ قد لَحِقنا؟ قـال: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ الْلَّهَ مَعَنَا} حتى إِذا دنا منا فكان بيننا وبينه قدر رُمح أَو رمحين ــ أَو قال: رمحين أَو ثلاثة ـــ قال قلت: يا رسول الله، هذا الطَّلَب قد لحقنا وبْكيتُ. قال: "لم تبكي؟" قال قلتُ: والله، ما على نفسي أَبكي، ولكني أَبكي عليك. قال: فدعا عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "الْلُّهُمَّ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ". فساخَتْ فرسهُ إِلى بطنها في أَرض صَلْد، ووثب عنها وقال: يا محمد، قد علمتُ أَن هذا عَمَلُك، فادع الله أَن ينجيني مما أَنا فيه، فوالله لأعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائي من الطَّلَب، وهذه كِنَانتي فَخُذْ منها سهمًا، فإِنك ستمر على إِبلي وغنمي في موضع كذا وكذا، فَخُذْ منها حاجتك. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لاَ حَاجَةَ لِي فِيْهَا". قال: ودعا له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. فَأُطْلِقَ ورجع إِلى أَصحابه، ومضى رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم وأَنا معه، حتى قدمنا المدينة، فتلقاه الناس في الطريق وعلى الأَجَاجِير واشتدَّ الخَدَمُ والصِّبْيَانُ في الطريق يقولون: الله أَكبر، جاءَ رسول الله، جاءَ محمد، قال: وتنازع القوم أَيُّهم ينزل عليه؟ قال: فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَنزلُ الليلة على بني النجار، أَخوالِ عبد المطلب؛ أَكرمهم بذلك". قال: وقال البراءُ: أَول من قَدِم علينا من المهاجرين ثم مُصْعَبُ بن عُمَيْر، أَخو بني عبد الدار، ثم قَدِم علينا ابن أُم مَكْتُوم الأَعمى، أَخو بني فهر، ثم قدم علينا عمرُ بن الخطاب في عشرين راكبًا، فقلنا: ما فعل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: هو على أَثَرِي. ثم قَدِم رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم وأَبو بكر معه. قال البَرَاءَ: ولم يَقْدَم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى قرأت سُوَرًا من المُفَصَّل ـــ قال إِسرائيل: وكان البراءُ من الأَنصار من بني حارثة أَخرجه أَحمد في المسند 1 /2.

أَخبرنـا إِبراهيم بن محمد الفقيه بإِسناده إِلى أَبي عيسى الترمذي قال: حدثنا يوسف ابن موسى القَطَّان البغدادي، حدثنـا مالك بن إِسماعيل، عن منصور بن أَبي الأَسود قال: حدثني كَثِيرٌ أَبو إِسماعيل، عن جُمَيْع بن عُمَيْر، عن ابن عُمَر: أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال لأَبي بكر: "أَنْتَ أَخِي، وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ"(*) أَخرجه الترمذي 5 /572 كتاب المناقب (50) باب (16) حديث رقم 3670 وأَحمد في المسند 4 / 4..

شُهُودُهُ بَدْرًا وَغَيْرَهَا

أَخبرنا أَبو القاسم الحُسَين بن هبة الله بن محفوظ بن صَصْرى التغلبي، أَخبرنا الشريف أَبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر الحُسَيني، وأَبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد الأَسدي قالا: أَخبرنا أَبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أَبي العلاء المِصّيصي، أَخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أَبي نصر، أَخبرنا أَبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حَيْدَر، حدثنا أَحمد بن محمد الأُبُلِّي العطار بالبصرة، أَخبرنا المقدمي، حدثنا محمد بن عبد اللّه الأَسدي، أَخبرنا مِسْعَر بن كِدَام، عن أَبي عون، عن أَبي صالح الحنفي، عن علي بن أَبي طالب قال: قال لي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ولأَبي بكر الصديق يوم بدر: "مع أَحَدِكما جبريل، ومع الآخر مِيكَائِيل وإِسرافيل، مَلَكٌ عظيم، يشهد القتال ويكون في الصف".(*)

أَخبرنا أَبو جعفر بن السمين بإِسناده إِلى يونس بن بُكَير، عن ابن إِسحاق قال: حدثني عبد اللّه بن أَبي بكر بن حَزْم: أَن سعد بن مُعَاذ قال لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ــ لما التقى الناسُ يوم بدر ــ: يا رسول الله، أَلا نبني لك عرِيشًا، فتكون فيه ونُنِيخَ إِليك ركائَبَك، ونَلْقَى عدونا، فإِن أَظفرنا الله وأَعزنا فذاك أَحب إِلينا، وإِن تكن الأُخرى تجلس على ركائبك، فتلحق بمن وراءَنا؟ فأَثنى عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خيرًا، ودعا له. فبُنِي لرسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عريش، فكان فيه أَبو بكر، ما معهما غيرهما.

قال ابن إِسحاق: فَجَعَل رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم يُنَاشِدُ رَبَّه وعدَه ونصره، ويقول: "الْلَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ لاَ تُعْبَدُ". وأَبو بكر يقول: بَعْضَ مُنَاشَدَتِك ربك، فإِن الله موفِيك ما وعَدَكَ من نَصْرِه.(*)

وقال محمد بن سَعْد: "قالوا: وشهد أَبو بكر بدرًا، وأُحدًا، والخندق، والحديبية والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ودفع رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم رايته العظمى يوم تَبُوك إِلى أَبي بكر، وكانت سوداءَ، وأَطعمه رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم من خيبر مائة وَسْق، وكان فيمن ثبت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم أُحُد ويوم حُنين حين ولى الناس".

ولم يختلف أَهلُ السيرَ في أَن أَبا بكر الصديق، رضي الله عنه، لم يتخلف عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في مشهد من مشاهده كلها.

فَضَائِلُهُ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ

أَخبرنا عبد اللّه بن أَحمد الخطيب، أَخبرنا جعفر بن أَحمد السراج، أَخبرنا الحسن بن أَحمد بن شاهين، حدثنا عثمان بن أَحمد الدقاق، حدثنا حامد بن سهل، حدثنا عبد اللّه بن جعفر الرَّقيَّ، حدثنا عبيد اللّه بن عَمْرو، عن زيد بن أَبي أُنَيْسَة، عن عَمْرو بن مُرَّة، عن عبد اللّه بن الحارث قال: حدثنا جُنْدَب ـــ هو ابن عبد اللّه ـــ: أَنه سمع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول قبل أَن يُتَوفَّي بيوم: "قد كان لي فيكم إِخوة وأَصدقاءٌ، وإِني أَبرأُ إِلى الله أَن أَكون اتخذت منكم خليلًا، ولو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أَبا بكر خليلًا، وإِن ربي اتخذني خليلًا، كما اتخذ إِبراهيم خليلًا"(*) أَخرجه الترمذي في السنن 5 / 568 كتاب المناقب (50) باب (16) حديث رقم 3661 وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه..

قال وأَخبرنا جعفر، أَخبرنا أَبو القاسم علي بن المُحَسِّن التَّنُوخِيّ، حدثنا أَبو سعيد الحسن بن جعفر بن محمد بن الوضّاح الحُرْفِي السِّمْسار، حدثنا أَبو شُعَيب الحَرّاني، حدثنا يحيى بن عبد اللّه البَابُلْتي، حدثنا الأَوزاعي، حدثنا يحيى بن أَبي كثير، عن محمد ابن إِبراهيم بن الحارث التيمي، عن عروة بن الزبير قال: سأَلت عبد اللّه بن عمرو بن العاص قلت: أَخبرني بأَشد شيءٍ رأَيتَه صنعه المشركون برسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. قال: أَقبل عقبة بن أَبي مُعَيْط، ورسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة، فلوى ثوبه في عُنُقِه فخنقه خنقًا شديدًا. فأَقبل أَبو بكر، فأَخذ مَنْكِبَه فدفعه عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، ثم قال أَبو بكر: يا قوم، أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يقولَ رَبِّي اللّهُ وَقَدْ جَاءَكمْ بالبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُم أَخرجه أَحمد في المسند 2 / 204..

الحُرْفِي: بضم الحاءَ المهملة، وسكون الراءِ، وبالفاءِ.

أَخبرنا أَبو منصور مسلم بن علي بن محمد السيحي العدل، أَخبرنا أَبو البركات محمد ابن محمد بن خميس الجهني، أَخبرنا أَبو نصر أَحمد بن عبد الباقي بن طوق، أَخبرنا أَبو القاسم نصر بن أَحمد بن الخليل المُرَجي، أَخبرنا أَبو يعلى أَحمد بن علي، حدثنا زهير بن حرب، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عبد الرحمن بن حُمَيد، عن أَبيه، عن عبد الرحمن بن عوف قالا: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَلَيٌّ فِي الْجَنَّةِ، وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْزُّبيْرُ فِي الْجَنَّةِ، وَعَبْدُ الْرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصِ فِي الْجَنَّةِ، وَسَعِيْدُ بْنُ زَيْدٍ فِي الْجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةُ ابْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ" (*)أَخرجه أَحمد في المسند 1 / 193..

أَخبرنا عمر بن محمد بن المعمر بن طَبَرْزَد وغيره قالوا: أَخبرنا أَبو القاسم الحريري، أَخبرنا أَبو إِسحاق البرمكي، حدثنا أَبو بكر محمد بن عبد اللّه بن بُخَيت الدقاق، حدثنا أَبو هاشم محمد بن إِبراهيم المَلَطي، حدثنا أَحمد بن موسى بن معدان الكرابيسي، حدثنا زكريا بن رُوَيد الكندي، عن حميد بن أَنس قال: جاءَ جبريل إِلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم بوحي من عند الله عز وجل، فقال: يا محمد، إِن الله يقرأ عليك السلام، ويقول لك: قُلْ لعتيق بن أَبي قحافة: إِنه غير راض.

قال: وأَخبرنا ابن بُخَيت، حدثنا سليمان بن داود بن كثير بن وقدان، حدثنا سَوَّار ابن عبد اللّه العنبري قال: قال ابن عيينة: عاتب الله سبحانه المسلمين كلَّهم في رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِلا أَبا بكر، فإِنه خرج من المعاتبة: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ}(*) [التوبة/ 40].

أَخبرنا أَبو القاسم يعيش بن صدقة بن علي الفقيه، أَخبرنا أَبو محمد بن الطراح، أَخبرنا أَبو الحُسَين بن المهتدي، حدثنا عبيد اللّه بن محمد بن إِسحاق بن حَبَابة، حدثنا عبد اللّه ابن محمد البَغَوي، حدثنا أَبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي، حدثنا سوار بن مصعب، عن عطية، عن أَبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِي وَزِيْرَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْسَّمَاءِ، وَوَزِيْرَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، فَأَمَّا وَزِيْرَايَ مِنْ أَهْلِ الْسَّمَاءِ فَجِبْرِيْلُ وَمِيْكَائِيْلُ، صَلَّى الله عَلَيْهِمَا وَسَلَّمْ وَأَمَّا وَزِيْرَايَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ" (*)أَخرجه الترمذي في السنن 5 / 576 كتاب المناقب (50) باب (16) حديث رقم 3680 قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وأحمد في المسند 3 / 26، 27.. ثم رفع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم رأسه إِلى السماء فقال: "إِنَّ أَهْلِ عِلِّيْيِنَ لَيَرَاهُمْ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُمْ كَمَا تَرُوْنَ الْنَّجْمَ ـــ أَوْ الْكَوْكَبَ ـــ فِي الْسَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وَأَنْعَمَا" ـــ قلت لأَبي سعيد ـــ: وما "أَنْعَمَا"؟ قال: أَهل ذاك هما.(*)

وأَسلم على يد أَبي بكر الزبيرُ، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة. وأَعتق سبعةً كانوا يعذبون في الله تعالى، منهم: بلال، وعامر بن فُهَيْرة، وغيرهما يذكرون في مواضعهم. وكان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كثير الثقة إِليه وبما عنده من الإِيمان واليقين، ولهذا لما قيل له: "إِن البقرة تكلمت" قال: "آمنت بذلك أَنا وأَبو بكر وعُمَر". وما هما في القَوْم.

أَخبرنا إِبراهيم بن محمد وغيره بإِسنادهم إِلى أَبي عيسى محمد بن عيسى قال: حدثنا محمد بن غَيْلان، حدثنا أَبو داود، حدثنا شعبة، عن سَعْد بن إبراهيم قال: سمعت أَبا سلمة بن عبد الرحمن يُحَدِّث عن أَبي هُرَيرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَرْكَبُ بَقَرَةً إِذْ قَالَتْ: لَمْ أَخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ". فَقَالَ رَسُولَ الله صَلَّى الله عليه وسلم: "آمَنْتُ بِذَلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ"(*) أخرجه مسلم 4 / 1857 كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أبي بكر الصديق (13 ـــ 2388). قال أَبو سلمة: وما هما في القوم.

أَخبرنا أَبو منصور بن مكارم بن أَحمد بن سعد المؤدب، أَخبرنا أَبو القاسم نصر بن أَحمد بن صفوان، أَخبرنا أَبو الحسـن علي بن إِبراهيم السرّاج، أَخبرنا أَبو طاهر هبة الله بن إِبراهيم بن أَنس، أَخبرنا علي بن عبيد اللّه بن طوق، حدثنا أَبو جابر زيد بن عبد العزيز ابن حَيَّان حدثنا محمد بن عبد اللّه بن عمار، حدثنا المُعَافَى بن عمران، حدثنا هشام ابن سعد، عن عمر بن أَسِيد، عن ابن عمر قال: كنا نتحدَّث أَنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خير هذه الأُمة، ثـم أَبو بكر، ثم عمر، ولقد أعطي علي بن أَبي طالب ثلاث خصال لأَن أَكون أَعطيتهن أَحبُّ إِليّ من حُمْر النَّعَم: زَوَّجـه رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم ابنته، وأَعطاه الراية يوم خيبر، وسد الأَبواب من المسجد إِلا باب علي.

أَخبرنا أَبو الفرج بن أَبي الرجاءَ الثقفي، أَخبرنا أَبو علي قراءَة عليه وأَنا حاضر أَسمع، أَخبرنا أَحمد بن عبد اللّه، حدثنا أَبو بكر بن خلاد، حدثنا الحارث بن أَبي أُسامة (ح) قال أبو نعيم: وحدثنا عبد اللّه بن الحسن بن بُنْدَار، حدثنا محمد بن إِسماعيل الصائغ قالا: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أَنس قال: صعد النبي صَلَّى الله عليه وسلم أُحدًا ومعه أَبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم الجبل، فقال: "اثْبُتْ فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ وَصَدِيْقٌ وَشَهِيْدَانِ" (*)أخرجه البخاري في الصحيح 5 / 11، وأحمد في المسند 5 / 331، 346، وابن ماجة في السنن 1 / 48 المقدمة حديث رقم 134..

أَخبرنا أَبو البركات الحسن بن محمد بن هبة الله الدمشقي، أَخبرنا أَبو العشائر محمد بن خليل بن فارس القيسي، أَخبرنا الفقيه أَبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أَبي العلاء، أَخبرنا أَبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن معروف، أَخبرنا أَبو إِسحاق إِبراهيم ابن محمد بن أَحمد بن أَبي ثابت، حدثنا علي بن داود القنطري، حدثنا ابن أَبي مريم، حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا إِسماعيل بن أَبي خالد، عن عامر الشعبي، عن الحارث، عن علي بن أَبي طالب: أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم نظر إِلى أَبي بكر وعمر فقال: "هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الْأَوَّلِيْنَ وَالْآخِرَيْنَ، إِلاَّ الْنَّبِيْيِنَ وَالْمُرْسَلِيْنَ، لاَ تُخْبِرْهُمَا يَا عَلِيُّ"(*) أخرجه الترمذي في السنن 5 / 570 كتاب المناقب (50) باب (16) حديث رقم 3664، 3665 قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وابن ماجة في السنن 1 / 36 المقدمة حديث رقم 95، 1 / 38 المقدمة حديث رقم 100، وأحمد في المسند 1 / 80..

قال: وأَخبرنا أَبو محمد عبد الرحمن بن عثمان، أَخبرنا أَبو الحسن خيثمة بن سليمان ابن حَيْدَرة الأَطْرَابُلْسِي، حدثنا يحيى بن أَبي طالب، حدثنا إِسحاق بن منصور، حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن جُوَيْبر، عن الضحاك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة/ 119] مع أَبي بكر وعمر. (*)

قال: وأَخبرنا خيثمة بن سليمان، حدثنا يحيى بن أَبي طالب، حدثنا محمد بن عُبَيد الطَّنَافِسِي حدثنا إِسماعيل بن أَبي خالد، عن عامر الشعبي، عن أَبي جُحَيْفة السُّوَائِي قال: قال علي: يا وهب، أَلا أَخبرك بخير هذه الأُمة بعد نبيها؟ أَبو بكر، وعُمَر، ورجل آخر.

وقد رَوَى نحو هذا محمدُ بن الحَنَفِيَّة، عن أَبيه.

قال: وأَخبرنا خيثمة، حدثنا أَحمد بن سليمان الصّورِي، حدثنا محمد بن مُصَفَّى، حدثنا يوسف بن الصَّباح، حدثنا جرير بن عبد الحميد، حدثنا سعيد الفافْلاَنِي، عن الحسن، عن أَنس قال: تناول النبي صَلَّى الله عليه وسلم من الأَرض سبع حصيات فسبحن في يده، ثُم ناولهن أَبا بكر فسبحن في يده، كما سبحن في يد النبي صَلَّى الله عليه وسلم، ثم ناولهن النبي صَلَّى الله عليه وسلم عمر فسبحن في يده كما سبحن في يد أَبي بكر، ثم ناولهن عثمان فسبحن في يده كما سبحن في يد أَبي بكر أورده الهيثمي في الزوائد 8 / 302. وعمر.

أَخبرنا أَبو القاسم الحُسَين بن هبة الله بن محفوظ بن صَصْرى التَغْلَبيّ، أَخبرنا الشريف أَبو طالب علي بن حَيْدَرة العَلَوِيّ، وأَبو القاسم الحسين بن الحسن الأَسدي قالا: أَخبرنا أَبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أَبي العلاء المِصِّيصي، أَخبرنا أَبو محمد عبد الرحمن بن القاسم، أَخبرنا أَبو الحسن خيثمة بن سليمان، أَخبرنا جعفر بن محمد القَلاَنِسي بالرملة، أَخبرنا داود بن الربيع بن مصحح، أَخبرنا حفص بن مَيْسَرَةَ، عن زيد بن أَسْلَم، عن عطاء ابن يسار، عن أَبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ صَائِمًا"؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: "مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ"؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: "مَنْ شَهِدَ جَنَازَةً"؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: "مَنْ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِيْنًا"؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا. قَالَ: "مَنْ جَمَعَهُنَّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَجَبَتَّ لَهُ ـــ أَوْ غُفِرَ لَهُ ـــ"(*) أخرجه مسلم في الصحيح 4 / 1857 كتاب فضائل الصحابة (44) باب (1) حديث رقم (12 / 1028)..

قال: وحدثنا خيثمه، حدثنا محمد بن الحسين الحُنَيني، أَخبرنا عارم أَبو النعمان، حدثنا هُشَيم، عن حُصَين، عن عبد الرحمن بن أَبي ليلى قال: وفد ناس من أَهل الكوفة وناس من أَهل البصرة إِلى عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه، قال: فلما نزلوا المدينة تحدّث القوم بينهم إِلى أَن ذكروا أَبا بكر وعمر، ففضل بعضُ القوم أَبا بكر على عمر، وفضل بعضُ القوم عمر على أَبي بكر، وكان الجارود بن المعلى ممن فضل أَبا بكر على عمر. فجاء عمر ومعه دِرَّته فأَقبل على الذين فضلوه على أَبي بكر، فجعل يضربهم بالدِّرَّة، حتى ما يتقي أَحدُهم إِلا برجله. فقال له الجارود: أَفِقْ أَفِقْ يا أَمير المؤمنين، فإِن الله عز وجل لم يكن يرانا نفضلك على أَبي بكر؛ وأَبو بكر أَفضل منك في كذا، وأَفضل منك في كذا. فَسُرِّيَ عن عمر ثم انصرف. فلما كان من العَشِيِّ صعد المنبر فحمد الله وأَثنى عليه، ثم قال: أَلا أن أَفضل هذه الأُمة بعد نبيها أَبو بكر، فمن قال غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مُفْتَرٍ، عليه ما على المفتري.

قـال: وحدثنا خثيمة، حدثنا هلال بن العلاءِ، حدثنا أَبي، حدثنا إِسحاق الأَزرق، حدثنا أَبو سنان، عن الضحَّاك بن مُزَاحِم، عن النَّزَّال بن سَبْرَة الهلالي قال: وافقنا من عَلِيٍّ طيب نفس ومزاح، فقلنا: يا أَمير المؤمنين، حدثنا عن أَصحابك. قال: كل أَصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَصحابي. قلنا: حدثنا عن أَصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. قال: سَلُوني. قلنا: حدثنا عن أَبي بكر. قال: ذاك امرؤٌ سماه الله عز وجل صِدِّيقًا على لسان جبريل ولسان محمد صَلَّى الله عليه وسلم، كان خليفةَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على الصلاة، رضيه لِدِيننا، فرضيناه لدُنْيانا.

عِلْمُهُ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ

أَخبرنا أَبو محمد بن أَبي القاسم، أَخبرنا أَبي، أَخبرنا أَبو بكر الحاسب، أَخبرنا أَبو محمد، أَخبرنا أَبو عمر بن حَيُّويَة، أَخبرنا أَحمد بن معروف، أَخبرنا الحسين بن القَهْم، حدثنا محمد بن سعد حدثنا محمد بن عمر بن واقد الأَسلمي، عن يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عمر أَنه سئل: من كان يُفْتِي الناس في زمان رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ فقال: أَبو بكر وعُمَر، ما أَعلم غيرهما.

أَخبرنا أَحمد بن عثمان بن أَبي علي المقري، أَخبرنا أَبو رشيد عبد الكريم بن أَحمد بن منصور بن محمد بن سعيد، أَخبرنا أَبو مسعود سليمان بن إِبراهيم بن محمد بن سليمان، حدثنا أَبو بكر بن مَرْدُويه الحافظ، حدثنا دَعْلَج بن أَحمد، حدثنا محمد بن أَيوب، حدثنا محمد بن سِنان، حدثنا فُلَيْح بن سليمان، حدثنا سالم أَبو النضر، عن عُبَيْد بن حُنَيْن وبُسْر بن سعيد، عن أَبي سعيد الخُدْرِي: أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خطب يومًا فقال: "إِنَّ رَجُلًا خَيَّرَهُ الله بَيْنَ الْدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ". فبكى أَبو بكر، فتعجَّبْنا لبكائه أَن يُخْبِرَ النبي صَلَّى الله عليه وسلم عن رجل قد خُيِّر ـــ وكان من المُخَيَّر صَلَّى الله عليه وسلم، وكان أَبو بكر أَعلمنا به ـــ فقال: "لا تَبْكِ يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ أَمَنَّ الْنَّاس فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيْلًا لاتَخَذْتُهُ خَلِيْلًا، وَلَكِن أُخُوَةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ في الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ، إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ" أخرجه البخاري في الصحيح 7 / 227 كتاب مناقب الأنصار (63) باب (45) حديث رقم 3904 وأخرجه مسلم في الصحيح 4 / 1854، 1855 كتاب فضائل الصحابة (44) باب (1) حديث رقم (2 / 2382)، (3 / 2383) والترمذي في السنن 5 / 609 كتاب المناقب (50) باب (15) حديث رقم (3661) وابن ماجه في السنن 1 / 36 المقدمة باب (11) حديث رقم 94، وأحمد في المسند 2 / 253، 1 / 270 وذكره المتقي الهندي في كنز العمال 12 / 505 حديث رقم 35648..

زُهْدُهُ وَتَوَاضُعُهُ وَإِنْفَاقُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

أَخبرنا أَبو محمد القاسم بن علي بن الحسن قال: أَخبرنا أَبي، أَخبرنا أَبو محمد عبد الرحمن بن أَبي الحسن بن إِبراهيم، أَخبرنا أَبو القاسم نصر بن أَحمد الهَمْدَاني، أَخبرنا أَبو بكر خليل بن هبة الله بن الخليل، أَخبرنا أَبو علي الحسن بن محمد بن الحسن بن القاسم بن دَرَسْتَوَيْه، حدثنا أَحمد بن محمد بن إِسماعيل، أَخبرنا إِبراهيم بن يعقوب الجُوزجَانِي، حدثني الحسين بن عيسى، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا عبد الواحد بن زيد، حدثني أَسلم الكوفي، عن مُرَّة، عن زيد بن أَرقم قال: دعا أَبو بكر بشراب، فأُتِيَ بماء وعسل، فلما أَدناه من فيه نَحَّاه، ثم بكى حتى بكى أَصحابه، فسكتوا وما سكت. ثم عاد فبكى حتى ظنوا أَنهم لا يَقْوَوْن على مسأَلته، ثم أَفاق فقالوا: يا خليفة رسول الله، ما أَبكاك؟ قال: "كنت مع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فرأَيته، يدفع عن نفسه شيئًا، ولم أَر أَحدًا معه، فقلت: يا رسول الله، ما هذا الذي تدفع، ولا أَرى أَحدًا معك؟ قال: "هذه الدنيا تَمَثَّلَت فقلت لها: إِليكِ عَنِّي. فتنحت ثم رجعت، فقالت: أَما إِنك إِن أَفْلَتَّ فلن يُفْلِتَ مَنْ بعدك". فذكرت ذلك فَمَقَتُّ أَن تَلْحَقَنِي.(*)

قال: وأَخبرنا أَبي، أَخبرنا أَبو السعود أَحمد بن علي بن محمد بن المُجْلِي، حدثنا محمد ابن محمد بن أَحمد العُكْبَرِي، حدثنا أَبو الطّيب محمد بن أَحمد بن خَلَف بن خَاقَان، أَخبرنا أَبو بكر محمد بن الحسن بن دُرَيْد، أَخبرنا أَبو حاتم، عن الأَصْمَعِي قال: كان أَبو بكر إِذا مُدِحَ قال: اللهم أَنت أَعلم بي من نفسي، وأَنا أَعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرًا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون".

قال: وأَخبرنا أَبي، أَخبرنا أَبو القاسم بن السَّمَرْقَنْدِي، أَخبرنا أَبو بكر بن الطبري، أَخبرنا أَبو الحسين بن بِشْران، أَخبرنا الحسين بن صفوان، أَخبرنا أَبو بكر القرشي، حدثنا الوليد بن شجاع السكُوني وغيره، حدثنا أَبو أُسامة، عن مالك بن مِغْوَل سمع أَبا السَّفر قال: دخلوا على أَبي بكر في مرضه فقالوا: يا خليفة رسول الله، أَلا ندعوا لك طبيبًا ينظر إِليك؟ قال: قد نظر إِليَّ. قالوا: ما قال لك؟ قال إِني فعال لما أُريد.

أَخبرنا أَبو العباس أَحمد بن عثمان، أَخبرنا أَبو رشيد عبد الكريم بن أَحمد بن منصور ابن محمد بن سعيد، أَخبرنا أَبو مسعود سليمان بن إِبراهيم بن محمد بن سليمان، أَخبرنا أَبو بكر أَحمد بن موسى بن مَرْدُويه الحافظ، حدثنا ميمون بن إِسحاق بن الحسن الحنفي، حدثنا أَحمد بن عبد الجبار هو العُطَارِدِي، حدثنا أَبو معاوية الضرير، عن الأَعمش، عن أَبي صالح، عن أَبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ، مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ". فبكى أَبو بكر وقال: وهل أَنا ومالي إِلا لَكَ يا رسول الله؟(*) أخرجه أحمد في المسند 2 / 253، 366..

قال: وأَخبرنا أَبو بكر بن مَرْدُويه، حدثنا أَحمد بن محمد بن عاصم، حدثنا عمر بن عبد الرحيم، حدثنا محمد بن الصَبّاح، حدثنا موسى بن عمير القرشي، عن الشعبي قال: لما نزلت: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ}... [البقرة/271] إِلى آخر الآية قال: جاءَ عمر بنصف ماله يحمله إِلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على رؤوس النـاس، وجاءَ أَبو بكر بماله أَجمع يكاد يخفيه من نفسه. فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "مَا تَرَكْتَ لِأَهْلِكَ؟" قَالَ: عِدَةُ الله وَعِدَةُ رَسُولِهِ". قال: يقول عمر لأَبي بكر: بنفسي أَنت وبأَهلي أَنتَ، ما استبقنا باب خير قَطُّ إِلا سبقتنا إِليه. (*)

وقد رواه أَبو عيسى الترمذي، عن هارون بن عبد اللّه البزَّاز، عن الفضل بن دُكَيْن، عن هشَام بن سعد، عن زيد بن أَسْلم، عن أَبيه، عن عمر قال: أَمرنا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَن نتصدق، ووافق ذلك مالًا عندي، فقلت، اليوم أَسْبق أَبا بكر إِن سَبَقْته. قال: فجئت بنصف مالي، فقال: "ما أَبقيت لأَهلك؟" قلت: مِثْله. وجاءَ أَبو بكر بكلِّ ما عنده، فقال: "يا أَبا بكر، ما أَبقيت لأَهلك؟" قال: أَبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أَسبقه إِلى شيء أَبدًا أخرجه أبو داود في السنن 2 / 312 ـــ 313 كتاب الزكاة (3) باب (40) حديث رقم 1678 وأخرجه الترمذي في السنن 5 / 614 ـــ 615 كتاب المناقب (50) باب (16) حديث رقم 3675 وقال حديث حسن صحيح، وأخرجه الدارمي في السنن 1 / 391 ـــ 392 كتاب الزكاة باب الرجل يتصدق بجميع ما عنده وأخرجه الحاكم في المستدرك 1 / 414 وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي..

أَخبرنا القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي إِجازة، أَخبرنا أَبي، أَخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أَخبرنا أَبو بكر بن الطبري، أَخبرنا أَبو الحسين بن الفضل، حدثنا عبد اللّه بن جعفر، حدثنا يعقوب، حدثنا أَبو بكر الحُمَيدي، حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أَبيه، قال: أَسلم أَبو بكر وله أَربعون أَلفًا، فأَنفقها في الله، وأَعتق سبعة كلهم يعذب في الله: أَعتق بلالًا، وعامر بن فُهَيْرة، وزنِّيرَة، والنَّهْدِيَّة، وابنتها، وجارية بني مُؤَمَّل، وأَم عُبَيْس.

زنِّيرة: بكسر الزاي، والنون المشددة، وبعدها ياء تحتها نقطتان، ثم راء وهاء.

وعُبَيْس: بضم العين المهملة، وفتح الباء الموحدة، والياء الساكنة تحتها نقطتان، وآخره سين مهملة.

قال: وأَخبرنا أَبي، أَخبرنا أَبو القاسم الواسطي، أَخبرنا أَبو بكر الخطيب، حدثني الحسن بن علي بن محمد الواعظ، حدثنا أَبو نصر إِسحاق بن أَحمد بن شبيب البخاري، حدثنا أَبو الحسن نصر بن أَحمد بن إِسماعيل بن سايح بن قوامة ببخارى، أَخبرنا جبريل بن منجاع الكُشاني بها، حدثنا قتيبة، حدثنا رِشْدين، عن الحجاج بن شَدَّاد المُرَادي، عن أَبي صالح الغفاري: أَن عمر بن الخطاب كان يتعاهد عَجُوزًا كبيرة عمياء، في بعض حواشي المدينة من الليل، فيستقي لها ويقوم بأَمرها، فكان إِذا جاءَ وجد غيره قد سبقه إِليها، فأَصلح ما أَرادت. فجاءها غير مرة كُلًّا يُسْبَقُ إِليها، فرصده عمر فإِذا هو بأَبي بكر الصديق الذي يأْتيها، وهو يومئذ خليفة. فقال عمر: أَنت هو لَعَمْري!!

قال: وأَخبرنـا أَبي، أَخبرنا أَبو محمد الحسن بن أَبي بكر، أَخبرنا الفضيل بن يحيى، أَخبرنا أَبو محمد بن أَبي شريح، أَخبرنا محمد بن عَقِيل بن الأَزهر، حدثنا محمد بن إِبراهيم، حدثنا عُبَيْد الله بن معاذ، حدثنا أَبي، حدثنا شعبة، عن حُبَيْب بن عبد الرحمن، سمع عمته أُنَيْسة قالت: نزل فينا أَبو بكر ثلاث سنين: سنتين قبل أَن يُسْتَخلف، وسنة بعدما استُخْلِفَ فكان جَوَارِي الحيِّ يأْتينه بغنمهن، فيحلِبُهُنَّ لهن.

قال: وأَخبرنا أَبي، أَخبرنا أَبو بكر الأَنصاري، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا محمد بن العباس، أَخبرنا أَحمد بن معروف أَخبرنا الحسين بن القَهْمِ، حدثنا محمد بن سعد، أَخبرنا محمد بن عُمَر، حدثنا أَبو بكر بن عبد اللّه بن أَبي سَبْرَة، عن مُوَرِّق عن أَبي سعيد بن المُعَلَّى قال: سمعت ابن المُسَيَّب قال ـــ وأَخبرنا محمد بن عُمَر، حدثنا موسى بن محمد بن إِبراهيم، عن أَبيه، عن عبد الرحمن بن صُبَيحة، عن أَبيه (ح) قال: وأَخبرنا محمد بن عُمَر، حدثنا عبد الرحمن بن عُمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: بويع أَبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يوم الاثنين، لاثنتي عشرة ليلةً خلت من ربيع الأَول، سنة إِحدى عشرة وكان منزله بالسُّنْحِ عند زوجته حَبِيبة بنت خارجة بن زيد بن أَبي زهير، من بني الحارث بن الخزرج، وكان قد حجر عليه حُجْرة من شَعْر، فما زاد على ذلك حتى تحول إِلى المدينة، وأَقام هناك بالسُّنْح بعد ما بويع له سبعة أَشهر، يَغْدُو على رِجْلَيه وربما ركب على فرس له، فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس فإِذا صلى العشاءَ الآخرة رجع إِلى أَهله. وكان يحلب للحَيِّ أَغنامهم، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا يحلب لنا مَنَائِحنا. فسمعها أَبو بكر فقال: بلى، لَعَمْرِي لأَحلبنَّها لكم، وإِني لأَرجو أَن لا يغيرني ما دخلتُ فيه عن خُلُق كنتُ عليه. فكان يحلب لهم، فربما قال للجارية: أَتحبين أَن أَرْغِيَ لك أَو أَن أُصَرِّح؟ فربما قالت: أَرغ. وربما قالت صَرِّح فأُيَّ ذلك قالت فعل.

وله في تواضعه أَخبار كثيرة، نقتصر منها على هذا القدر.

خِلَافَتُهُ

أَخبرنا أَبو البركات الحسن بن محمد بن هبة الله الدمشقي، أَخبرنا أَبو العشائر محمد ابن الخليل بن فارس القيسي، أَخبرنا أَبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أَبي العلاء المِصِّيصِيّ، أَخبرنا أَبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن معروف بن أَبي حبيب، أَخبرنا أَبو إِسحاق إِبراهيم بن محمد بن أَحمد بن أَبي ثابت، حدثنا أَحمد بن بكرويه البالسي، حدثنا داود بن الحسن المدني، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أَنس ابن مالك: أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال: "رَأَيْتُنِي عَلَى حَوْضٍ، فَوَرَدَتْ عَلَيَّ غَنَمٌ سُودٌ وَبِيْضٌ، فَأَوّلْتُ الْسُّوْدَ: الْعَجَمَ، وَالْعُفْرَ: الْعَرَبَ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الْدَّلْوَ مِنِّي، فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوْبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَالله يَغْفِرُ لَهُ، فَجَاءَ عُمَرُ فَمَلَأَ الْحَوْضَ وَأَرْوَى الْوَارِدُ"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 9 / 49 وأحمد في المسند 2 / 28، 29، 39، 104، 107، 2 / 318، 319، 368، 450، 5 / 554..

قال: وأَخبرنا عبد الرحمن بن عثمان، حدثنا أَبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حَيْدرة حدثنا الحسن بن حُمَيد بن الربيع الخَزّاز، حدثنا إِبراهيم عن إِسماعيل بن يحيى بن سلمة ابن كُهَيْل، عن أَبيه، عن جده سلمة، عن أَبي الزَّعْراء، عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اقْتَدُوا بِالْلَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ" (*)أخرجه الترمذي في السنن 5 / 570 كتاب المناقب (50) باب (16) حديث رقم 3663 وابن ماجة في السنن 1 / 37 المقدمة باب (11) حديث رقم 97 وأحمد في المسند 5 / 382، 385، 399، 402..

قال: وحدثنا خيثمة، حدثنا أَحمد بن ملاعب البغدادي، أَخبرنا خلف بن الوليد، أَخبرنا المبارك بن فضالة، حدثني محمد بن الزبير قال: أَرسلني عمر بن عبد العزيز إِلى الحسن البصري أَسأَله عن أَشياءَ، فصعدت إِليه فإِذا هو متكئَ على وسادة من أَدَم، فقلت: أَرسلني إِليك عمر أَسأَلك عن أَشياءَ، فأَجابني فيما سأَلته عنه، وقلت: اشفني فيما اختلف الناس فيه: هل كان رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم استخلف أَبا بكر؟ فاستوى الحسن قاعدًا فقال: أَوَفِي شك هو لا أَبا لك؟ إِيْ والله الذي لا إِله إِلا هو، لقد استخلفه، ولهو كان أَعلم بالله، وأَتقى له، وأَشد مخافة من أَن يموت عليها لو لم يأَمره.

أَخبرنا منصور بن أَبي الحسن الطبري بإِسناده إِلى أَبي يعلى، حدثنا زكرياءَ بن يحيى، حدثنا يوسف بن خالد، حدثنا موسى بن دينار المكي، حدثنا موسى بن طلحة، عن عائشة بنت سعد، عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لِيُصَلِّ أَبُو بَكْرٍ بِالْنَّاسِ". قَالُوا: لَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ؟ قَالَ: "لاَ يَنْبَغِي لأُمَّتِي أَنْ يَؤُمَّهُمْ إِمَامٌ وَفِيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ".(*)

أَخبرنا إِسماعيل بن علي، وإِبراهيم بن محمد وغيرهما، بإِسنادهم إِلى أَبي عيسى السلمي: حدثنا النصر بن عبد الرحمن الكوفي، حدثنا أَحمد بن بَشِير، عن عيسى بن ميمون الأَنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "لاَ يَنْبَغِي لِقَوْمٍ فِيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ" أخرجه الترمذي في السنن 5 / 573 كتاب المناقب (50) باب (16) حديث رقم 3673 قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب..

قال: وحدثنا أَبو عيسى، حدثنا عَبْدُ بن حُمَيْد، أَخبرني يعقوب بن إِبراهيم بن سعد، حدثنا أَبي، عن أَبيه، أَخبرني محمد بن جُبَيْر بن مُطْعم أَن أَباه جبير بن مطعم أَخبره: أَن امرأَة أَتت النبي صَلَّى الله عليه وسلم في شيءٍ فأَمرها بأَمر، فقالت: أَرأَيت يا رسول الله إِن لم أَجدْك؟ قال: "إِنْ لَمْ تَجِدِيْنِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ"(*) أخرجه البخاري في الصحيح 9 / 101 والترمذي في السنن 5 / 574 كتاب المناقب (50) باب (16) حديث رقم 3676 وقال أبو عيسى هذا حديث غريب من هذا الوجه..

أخَبرنا أَحمد بن عثمان بن أَبي علي المقري، أَخبرنا أَبو رشيد عبد الكريم بن أَحمد بن منصور بن محمد بن سعيد، أَخبرنا أَبو مسعود سليمان بن إِبراهيم بن محمد، حدثنا أَبو بكر أَحمد بن موسى بن مَرْدُويَه، حدثنا محمد بن سليمان المالكي، حدثنا يوسف بن محمد بن يوسف الواسطي، حدثنا محمد بن أَبَان الواسطي، حدثنا شَرِيك بن عبد اللّه النَّخَعِي، عن أَبي بكر الهُذَلِي، عن الحسن البصري، عن علي بن أَبي طالب قال: قَدَّمَ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم أَبا بكر فصلى بالناس، وإِني لشاهد غير غائب، وإِني لصحيح غير مريض، ولو شاءَ أَن يقدمني لقدمني، فرضينا لدنيانا من رَضِيه الله ورسولُه لدنينا".

أَخبرنا أَبو القاسم يَعِيش بن صَدَقة بن علي الفقيه الشافعي، أَخبرنا أَبو القاسم إِسماعيل بن أَحمد بن عُمَر السَّمَرْقَنْدِي، أَخبرنا أَحمد بن محمد بن أَحمد البَزَّاز، أَخبرنا عيسى بن علي بن عيسى الوزير، أَخبرنا عبد اللّه بن محمد البَغَوي، حدثنا وهب بن بقية، أَخبرنا إِسحاق الأَزرق، عن سَلَمة بن نُبَيْط، عن نُعَيْم بن أَبي هِنْد، عن نُبَيْط ـــ يعني ابن شَرِيط ـــ عن سالم بن عُبَيْد ـــ وكان من أَصحاب الصُّفَّة ـــ: أَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم لما اشتدّ مرضه أُغْمِي عليه، فلما أَفاق قال: "مُرُوا بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ، وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالْنَّاسِ" ـــ قَالَ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنَّ أَبِي رَجُلٌ أَسِيْفٌ، فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ؟ فَقَالَ: "أُقِيْمَتِ الْصَّلَاةُ"؟ فَقَالَتْ عَائِشَةَ: يَا رَسُوْلَ الله، إِنَّ أَبِي رَجُلٌ أَسِيْفٌ، فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَهُ؟ قَالَ: "إِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوْسُفَ، مُرُوا بِلَالًا فَلْيُؤذِّنْ، وَمُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالْنَّاسِ". ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ: "أُقِيْمَتِ الْصَّلَاةُ"؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "ادْعُو إِلَيَّ إِنْسَانًا أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ". فَجَاءَتْ بُرَيْرَةُ وَإِنْسَانٌ آخَرَ، فَانْطَلِقُوا يَمْشُوْنَ بِهِ، وَإِن رجليه تَخُطَّان في الأَرض قال: فأَجلسوه إِلى جنب أَبي بكر، فذهب أَبو بكر يتأَخر، فحبسه حتى فرغ الناس(*)، فلما توفي قال ـــ وكانوا قومًا أُميين لم يكن فيهم نبي قبله ـــ قال عمر: "لا يتكلم أَحد بموته إِلا ضربته بسيفي هذا"! قال فقالوا له: اذهب إِلى صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فادعه، يعني أَبا بكر. قال: فذهبتُ فوجدتُه في المسجد، قال: فأَجهشت أَبكي، قال: لعل نبي الله توفي؟ قلت: إِن عمر قال: "لا يتكلم أَحد بموته إِلا ضربته بسيفي هذا"! قال: فأَخذ بساعدي ثم أَقبل يمشي، حتى دخل، فأَوسعوا له. فأَكب على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتى كاد وجهه يَمَسّ وجه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فنظر نَفَسَهُ حتى استبان أَنه توفي. فقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [الزمر/ 30] قالوا: يا صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، توفي رسول الله صَلَّى الله عليـه وسلم؟ قال: نعم. فَعَلِموا أَنه كما قال. قالوا: يا صاحب رسول الله، هل يُصَلَّى على النبي صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: يجيءَ نَفَرٌ مِنْكُم فيُكَبِّرُون فيَدْعُون ويذهبون حتى يَفْرَغَ الناس. فعلموا أَنه كما قال، قالوا: يا صاحب رسول الله، هل يُدْفَن النبي صَلَّى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قالوا: أَين يدفن؟ قال: حيث قَبَضَ الله رُوحَه، فإِنه لم يقبضه إِلا في موضع طَيِّب. قال: فعرفوا أَنه كما قال. ثم قال: عندكم صاحبكم.

ثم خرج، فاجتمع إِليه المهاجرون ـــ أَو من اجتمع إِليه منهم ـــ فقال: انطلقوا إِلى إِخواننا من الأَنصار، فإِن لهم في هذا الحَقّ نصيبًا. قال: فذهبوا حتى أَتو الأَنصار، قال: فإِنهم ليتآمرون إِذ قال رجل من الأَنصار: "منا أَمِيرٌ ومنكم أَمِير" فقام عُمَر وأَخذ بيد أَبي بكر، فقال: "سيفان في غمد إِذَنْ لا يصطحبان، ثم قال: من له هذه الثلاث: {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة/ 40] مع مَن؟ فبسط يد أَبي بكر فضرب عليها، ثم قال للناس: بايعوا. فبايع الناسُ أَحسن بَيْعَة".

أَخبرنا أَبو ياسر بن أَبي حبة بإِسناده عن عبد اللّه بن أَحمد، حدثني أَبي، حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن زِرٍّ، عن عبد اللّه قال: لما قُبِض رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم قالت الأَنصار: "منا أَمير ومنكم أَمير" فأَتاهم عمر فقال: يا معشر الأَنصار، أَلستم تعلمون أَن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أَمر أَبا بكر أَن يَؤُمَّ الناس؟ فأَيكم تطيب نفسه أَن يتقدم أَبا بكر؟ فقالوا: "نعوذ بالله أَن نتقدم أَبا بكر" أخرجه أحمد في المسند 1 / 396.

أَخبرنا القاسم بن علـي الدمشقي، عن أَبيه، أَخبرنا ابو طالب علي بن عبد الرحمن، حدثنا أَبو الحسن الخلعي، أَخبرنا أَبو محمد بن النحاس، أَخبرنا أَبو سعيد بن الأَعرابي، حدثنا مُشْرف بن سعيد الواسطي، عن إِسماعيل بن أَبي خالد، عن زِرّ بن حُبَيش، عن عبد اللّه قال: كان رجوع الأَنصار يوم سقيفة بني ساعِدَةَ بكلامٍ قاله عمر، قال: "أَنْشُدُكم بالله، أُمِر أَبُو بكر أَن يصلي بالناس؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فأَيكم تطيب نفسه أَن يُزيله عن مُقَامِه الذي أَقامه فيه رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسلم؟ قالوا: كلنا لا تطيب أَنفسنا، نستغفر الله! أخرجه البخاري في الصحيح 5 / 127..

وقد ورد في الصحيح حديث عمر في بيعة أَبي بكر، وهو حديث طويل، تركناه لطوله وشهرته.

ولما توفي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ارتجت مكة، فسمع بذلك أَبو قحافة فقال: ما هذا؟ قالوا: قُبِض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. قال: أَمْر جليل، فمن ولي بعده؟ قالوا: ابنك. قال: فهل رَضَيَتْ بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم. قال: لا مانع لما أَعطى الله، ولا معطي لما منع.

وكان عمر بن الخطاب أَولَ من بايعه، وكانت بَيْعَته في السَّقيفة يوم وفاة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ثم كانت بيعة العامة من الغَدِ. وتخلف عن بيعته: عَليُّ، وبنو هاشم، والزُّبَيْر بن العَوَّام، وخالد بن سعيد بن العاص، وسَعْدُ بن عُبَادة الأَنصاري. ثم إِن الجميع بايعوا بعد موتَ فاطمةَ بنتِ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِلا سَعْدَ بن عُبادة، فإِنه لم يبايع أَحدًا إِلى أَن مات. وكانت بيعتهم بعد ستة أَشهر على القول الصحيح، وقيل غير ذلك.

وقام في قتال أَهل الردة مقامًا عظيمًا ذكرناه في الكامل في التاريخ.

أَخبرنا عبد الوهاب بن هبة الله بإِسناده إِلى عبد اللّه بن أَحمد قال: حدثني أَبي، حدثنا وكيع، حدثنا مِسْعَر وسفيان، عن عثمان بن المغيرة، عن علي بن ربيعة، عن أَسماءَ بن الحَكَم الفَزَاري قال: سمعت عليًا يقول: كنت إِذا سمعت عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حديثًا نفعني الله بما شاءَ أَن ينفعني، فإِذا حدثني عنه غيره أَستحلفه، فإِذا حلف لي صدقته، وإِنه حدثني أَبو بكر ـــ وصدق أَبو بكر ـــ أَنه سمع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: "مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ فَيَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ ـــ قال مِسْعَرٌ: وَيُصَلِّي، وَقَالَ سُفْيَانُ: ثُمَّ يُصَلِّي ـــ رَكْعَتَيْنِ فَيَسْتَغْفِرُ الله إِلاَّ غُفِرَ لَهُ"(*) أخرجه أحمد في المسند 1 / 2..

وَفَاتُهُ

قال ابن إِسحاق، "توفي أَبو بكر" رضي الله عنه، يوم الجمعة، لسبع ليال بَقِينَ من جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة، وصلى عليه عُمَر بن الخطاب.

وقال غيره: توفي عَشيَّ يوم الاثنين. وقيل: ليلة الثلاثاءَ. وقيل: عَشي يوم الثلاثاءَ، لثمان بَقِينَ من جمادى الآخرة.

وأَخبرنا أَبو محمد بن أَبي القاسم إِجازة، أَخبرنا أَبي، أَخبرنا أَبو الفتح يوسف بن عبد الواحد، حدثنا شجاع بن علي، أَخبرنا أَبو عبد اللّه بن مَنْدَه قال: وُلِد ـــ يعني أَبا بكر ــ بعد الفيل بسنتين وأَربعة أَشهر إِلا أَيَّامًا، ومات بعد النبي صَلَّى الله عليه وسلم بسنتين وأَشهر بالمدينة، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وكان رجلًا أَبيض نحيفًا، خفيف العَارِضَيْنِ، مَعْرُوق الوجه غَائِر الْعينين، ناتِئَ الجَبْهَة، يَخْضِب بالحنَّاءِ والكَتَم. وكان أَولَ من أَسلم من الرجال، وأَسلم أَبواه له، ولوالديه ولولده وولد ولده صحبة، رضي الله عنهم.

قال: وأَخبرنا أَبي، أَخبرنا أَبو بكر الفَرَضِي، أَخبرنا أَبو محمد الجَوْهَرِي، أَخبرنا أَبو عُمَر بن حيوية أَخبرنا أَحمد بن مَعْرُوف، أَخبرنا الحُسَين بن القَهْم حدثنا محمد بن سعد، حدثنا عبد العزيز بن عبد اللّه الأُويْسي، حدثني لَيْثُ بن سعد، عن عَقِيل، عن ابن شهاب أَن أَبا بكر، والحارث بن كَلَدَة كانا يأَكلان خَزِيرَةً أَهْدِيَتْ لأَبي بكر، فقال الحارث: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إِن فيها لسُمَّ سَنَةٍ، وأَنا وأَنت نموت في يوم واحد. قال: فرفع يده، فلم يزالا عَلِيلين حتى ماتا في يوم واحد، عند انقضاءِ السنة.

قال: وأَخبرنا أَبي بإسناده عن محمد بن سعد، حدثنا محمد بن عمر، حدثنا محمد ابن عبد اللّه، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كان أَول ما بدئ مرض أَبي بكر أَنه اغتسل يوم الاثنين، لسبع خلوان من جمادى الآخرة ـــ وكان يومًا باردًا فحُمَّ خَمْسَة عشر يومًا، لا يخرج إِلى صلاة، وكان يأمر عمر يُصَلِّي بالناس، ويدخل الناس عليه يعودونه وهو يثقل كلَّ يوم وهو نازل يومئذ في داره التي قطع له النبي صَلَّى الله عليه وسلم، وِجَاه دار عثمان بن عفان اليوم، وكان عثمان أَلزمهم له في مرضه، وتوفي مساءَ ليلة الثلاثاءِ لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، فكانت خلافته سنتين، وثلاثة أَشهر وعشر ليال وكان أَبو معْشر يقول: سنتين وأَربعة أَشهر إِلا أَربع ليال، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، مجمَع على ذلك في الروايات كلها، استوفى سن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، "وكان أَبو بكر ولد بعد الفيل بثلاث سنين".

وهو أَول خليفة كان في الإِسلام، وأَول من حج أَميرًا في الإِسلام، فإِن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فتح مكة سنة ثمان، وسَيَّر أَبا بكر يحج بالناس أَميرًا سنة تسع، وهو أَول من جمع القرآن، وقيل: علي بن أَبي طالب أَولُ من جَمَعه، وكان سبب جمع أَبي بكر القرآن ما ذكرناه في ترجمة عثمان بن عفان، وهو أَوَّل خَلِيفة ورثه أَبوه.

وقال زياد بن حنظلة: كان سببُ موت أَبي بكر الكَمَد على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم. ومثله قال عبد اللّه بن عمر.

ولما حضره الموت استخلفَ عمر بن الخطاب، رضي الله عنْهما، وقد ذكرنا ذلك في ترجمة عمر، رضي الله عنه.
(< جـ3/ص 310>)
2 من 2
الاسم :
البريد الالكتروني :  
عنوان الرسالة :  
نص الرسالة :  
ارسال