تسجيل الدخول

إسلام أهل مكة

حين فتح الله مكة على رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم والمسلمين، تبين لأهل مكة الحق، وعلموا أن لا سبيل إلى النجاح إلا الإسلام، فخضعوا له، واجتمعوا للبيعة، فجلس رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على الصفا يبايع الناس، وعمر بن الخطاب أسفل منه، يأخذ على الناس، فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا.
ولما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء، وهو على الصفا، وعمر قاعد أسفل منه، يبايعهن بأمره، ويبلغهن عنه، فجاءت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان متنكرة؛ خوفا من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يعرفها، لما صنعت بحمزة، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيًئا"، فبايع عمر النساء على أن لا يشركن بالله شيئًا.
فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ولا تسرقن". فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح، فإن أنا أصبت من ماله هنات؟ (أي: القليل)، فقال أبو سفيان: وما أصبت فهو لك حلال، فضحك رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وعرفها، فقال: "وإنك لهند؟"، قالت: نعم، فاعف عما سلف يا نبي الله، عفا الله عنك.
فقال: "ولا يزنين"، فقالت: أو تزني الحرة؟! فقال: "ولا يقتلن أولادهن". فقالت: ربيناهم صغارًا، وقتلتموهم كبارًا، فأنتم وهم أعلم، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قد قتل يوم بدر، فضحك عمر حتى استلقى، فتبسم رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
فقال: "ولا يأتين ببهتان"، أي: بباطل وافتراء، فقالت: والله إن البهتان لأمر قبيح، وما تأمرنا إلا بالرشد ومكارم الأخلاق. فقال: "ولا يعصينك في معروف"، فقالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك. ولما رجعت هند جعلت تكسر صنمها وتقول: كنا منك في غرور.
وأقام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يومًا، يجدد معالم الإسلام، ويرشد الناس إلى الهدى والتقى. وخلال هذه الأيام، أمر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أبا أسيد الخزاعي، فجدد أنصاب الحرم، أي: حدوده ومعالمه، وبث سراياه للدعوة إلى الإسلام، ولكسر الأوثان التي كانت حول مكة، فكسرت كلها، ونادى مناديه بمكة: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنمًا إلا كسره".
هكذا انتهت غزوة فتح مكة؛ وهي المعركة الفاصلة، والفتح الأعظم، الذي قضى على كيان الوثنية قضاء باتا، لم يترك لبقائها مجالًا ولا مبررًا، في ربوع الجزيرة العربية. فقد كانت عامة القبائل تنتظر ماذا يتمخض عنه العراك والاصطدام، الذي كان دائرًا بين المسلمين والوثنيين، وكانت تلك القبائل تعرف جيدًا أن الحرم لا يسيطر عليه إلا من كان على الحق، وكان قد تأكد لديهم هذا الاعتقاد الجازم قبل نصف القرن، حين قصد أصحاب الفيل هذا البيت فأهلكوا، وجعلوا كعصف مأكول.
وكان صلح الحديبية مقدمة وتوطئة بين يدي هذا الفتح العظيم؛ أمن الناس به، وكلم بعضهم بعضا، وناظره في الإسلام، وتمكن من اختفى من المسلمين بمكة من إظهار دينه، والدعوة إليه، والمناظرة عليه، ودخل بسببه بشر كثير في الإسلام، حتى إن عدد الجيش الإسلامي الذي لم يزد في الغزوات السالفة على ثلاثة آلاف إذا هو يزخر في هذه الغزوة في عشرة آلاف.
وهذه الغزوة الفاصلة، فتحت أعين الناس، وأزالت عنها آخر الستور التي كانت تحول بينها وبين الإسلام، وبهذا الفتح سيطر المسلمون على الموقف السياسي والديني كليهما معًا، في طول جزيرة العرب وعرضها، فقد انتقلت إليهم الصدارة الدينية والزعامة الدنيوية.
فالطور الذي كان قد بدأ بعد هدنة الحديبية لصالح المسلمين قد تم وكمل بهذا الفتح المبين، وبدأ بعد ذلك طور آخر؛ كان لصالح المسلمين تمامًا، وكان لهم فيه السيطرة على الموقف تمامًا، ولم يبق لأقوام العرب إلا أن يفدوا إلى الرسول صَلَّى الله عليه وسلم، فيعتنقوا الإسلام، ويحملوا دعوته إلى العالم، وقد تم استعدادهم لذلك في سنتين آتيتين.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال