تسجيل الدخول

هدم باقي أصنام الجزيرة العربية

لما اطمأن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بعد الفتح، بعث خالد بن الوليد إلى صنم العزى، لخمس ليالٍ بقين من شهر رمضان سنة ثمانٍ للهجرة ليهدمها، وكانت بمكان يسمى: نخلة، وكانت لقريش وجميع بني كنانة، وهي أعظم أصنامهم، وكان بنو شيبان هم خدامها، فخرج إليها خالد في ثلاثين فارسًا حتى انتهى إليها، فهدمها، ولما رجع سأله رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "هل رأيت شيئا؟" قال: لا، قال: "فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها".
فرجع خالد متغيظا قد جرد سيفه، فخرجت إليه امرأة عريانة، سوداء، ناشزة الرأس، أي: منفوشة الشعر، فجعل السادن، أي: الخادم، يصيح بها، فضربها خالد فجزلها باثنتين (أي: فقطعها)، ثم رجع إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: "نعم؛ تلك العزى، وقد أيست أن تعبد في بلادكم أبدا".
ثم بعث عمرو بن العاص في نفس الشهر إلى صنم سواع ليهدمه؛ وهو صنم لهذيل برهاط، وعلى ثلاثة أميال من مكة. فلما انتهى إليه عمرو قال له السادن: ما تريد؟ قال: أمرني رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن أهدمه، قال: لا تقدر على ذلك، قال: لم؟ قال: تمنع، قال: حتى الآن أنت على الباطل؟! ويحك، فهل يسمع أو يبصر؟! ثم دنا فكسره، وأمر أصحابه فهدموا بيت خزانته، فلم يجدوا فيه شيئًا، ثم قال للسادن: كيف رأيت؟ قال: أسلمت لله.
وفي نفس الشهر بعث الرسول صَلَّى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأشهلي في عشرين فارسا إلى صنم مناة؛ وكانت بالمشلل عند قديد، وهي صنم للأوس والخزرج وغسان وغيرهم. فلما انتهى سعد إليها، قال له سادنها: ما تريد؟ قال: أريد هدم مناة، قال: أنت وذاك، فأقبل إليها سعد، وخرجت امرأة عريانة، سوداء، ثائرة الرأس، تدعو بالويل، وتضرب صدرها، فقال لها السادن: مناة دونك بعض عصاتك، أي: هيا انتقمي منهم. فضربها سعد فقتلها، وأقبل إلى الصنم فهدمه وكسره، ولم يجدوا في خزانته شيئًا.
ولما رجع خالد بن الوليد من عند العزى، بعثه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في شعبان من نفس السنة، ثمانٍ للهجرة، إلى بني جذيمة، داعيا إلى الإسلام لا مقاتلا، فخرج في ثلاثمائة وخمسين رجلًا؛ من المهاجرين، والأنصار، وبني سليم، فانتهى إليهم، فدعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا ــ كان المشركون يسمون من يسلم بالصابئ؛ لأنه ترك الوثنية إلى الإسلام، فجعل خالد يقتلهم ويأسرهم، ودفع إلى كل رجل ممن كان معه أسيرًا، فأمر يوما أن يقتل كل رجل أسيره، فأبي عبد الله بن عمر وأصحابه، حتى قدموا على النبي صَلَّى الله عليه وسلم، فذكروا له، فرفع صَلَّى الله عليه وسلم يديه وقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد"، مرتين.
وكانت بنو سليم هم الذين قتلوا أسراهم دون المهاجرين والأنصار، وبعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم عليًّا فودى لهم قتلاهم، أي: أعطاهم الدية، وما ذهب منهم. وكان بين خالد وعبد الرحمن بن عوف كلام وشر في ذلك، فبلغ صَلَّى الله عليه وسلم فقال: "مهلًا يا خالد، دع عنك أصحابي، فوالله لو كان أُحد ذهبًا، ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غُدوة رجلٍ من أصحابي، و لا روحته".
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال