تسجيل الدخول

الرسول صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الوضع الجديد

نقلت استخبارات جيش المدينة إلى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ــ وهو لا يزال في الطريق بوادي ذفران ــ خبر العير والنفير، وتأكد لديه بعد التدبر في تلك الأخبار أنه لم يبق مجال للاجتناب عن لقاء دام، وأنه لابد من إقدام يُبنى على الشجاعة والبسالة، والجراءة والجسارة، فمما لا شك فيه أنه لو ترك جيش مكة يجوس خلال تلك المنطقة يكون ذلك تدعيمًا لمكانة قريش العسكرية، وامتدادًا لسلطانها السياسي، وإضعافًا لكلمة المسلمين وتوهينًا لها، بل ربما تبقى الحركة الإسلامية بعد ذلك جسدًا لا روح فيه، ويجرؤ على الشر كل من فيه حقد أو غيظ على الإسلام في هذه المنطقة.
وبعد هذا كله فهل يكون هناك أحد يضمن للمسلمين أن يمنع جيش مكة عن مواصلة سيره نحو المدينة، حتى ينقل المعركة إلى أسوارها، ويغزو المسلمين في عقر دارهم. كلا، فلو حدث من جيش المدينة نكول ما لكان له أسوأ الأثر على هيبة المسلمين وسمعتهم.
ونظرًا إلى هذا التطور الخطير المفاجئ عقد رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم مجلسًا عسكريًا استشاريًا أعلى، أشار فيه إلى الوضع الراهن، وتبادل فيه الرأي مع عامة جيشه، وقادته، وحينئذ تزعزع قلوب فريق من الناس، وخافوا اللقاء الدامي، وهم الذين قال الله فيهم: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ. يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمُوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} [الأنفال: 5 ــ 6]، وأما قادة الجيش؛ فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: "يا رسول الله، امض لما أراك الله فنحن معك، والله لن نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه"، فقال له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم خيرًا ودعا له به.
وهؤلاء القادة الثلاثة كانوا من المهاجرين، وهم أقلية في الجيش، فأحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم أن يعرف رأي قادة الأنصار؛ لأنهم كانوا يمثلون أغلبية الجيش، ولأن ثقل المعركة سيدور على كواهلهم مع أن نصوص العقبة لم تكن تلزمهم بالقتال خارج ديارهم، فقال بعد سماع كلام هؤلاء القادة الثلاثة: "أشيروا على أيها الناس"؛ وإنما يريد الأنصار، وفطن إلى ذلك قائد الأنصار وحامل لوائهم سعد بن معاذ، فقال: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: "أجل"، قال: "فقد آمنا بك، فصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، فأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله"، فسُر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: "سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم".
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال