تسجيل الدخول

من روائع الإيمان في غزوة بدر

تجلت في هذه المعركة مناظر رائعة، وبرزت فيها قوة العقيدة وثبات المبدأ، ففي هذه المعركة التقى الآباء بالأبناء، والأخوة بالأخوة، خالفت بينهما المبادئ، ففصلت بينهما السيوف، والتقى المقهور بقاهره، فشفى منه غيظه.
كان عبد الرحمن بن عوف وأمية بن خلف صديقين في الجاهلية بمكة، فلما كان يوم بدر مر به عبد الرحمن، وهو واقف مع ابنه علي بن أمية، آخذًا بيده، ومع عبد الرحمن دروع قد استلبها، وهو يحملها، فلما رآه قال: هل لك في؟ فأنا خير من هذه الأدراع التي معك، ما رأيت كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن؟ ــ يريد أن من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن ــ فطرح عبد الرحمن الأدراع، وأخذهما يمشي بهما، فقال أمية بن خلف لعبد الرحمن وهو بينه وبين ابنه: من الرجل منكم المعلم بريشة النعامة في صدره؟ قلت: ذاك حمزة بن عبد المطلب، قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل.
قال عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي، وكان أمية هو الذي يعذب بلالًا بمكة، فقال بلال: رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا، قلت: أي بلال، أسيري، قال: لا نجوت إن نجا، قلت: أتسمع يا ابن السوداء؟ قال: لا نجوت إن نجا، ثم صرخ بأعلى صوته: يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا، قال: فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة ــ أي: الحلقة أو السوار ــ وأنا أذب ــ أي: أدفع ــ عنه، قال: فأخلف رجل السيف ــ أي: أخذ سيفه المعلق خلف ظهره ــ فضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط، فقلت: انج بنفسك، ولا نجاء بك، فوالله ما أغنى عنك شيئا، قال: فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما، فكان عبد الرحمن يقول: يرحم الله بلالًا، ذهبت أدراعي، وفجعني بأسيري.
وقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومئذ خاله العاص بن هشام بن المغيرة.
ولما راح القوم يأسرون، ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على بابه يحرسه متوشحًا سيفه، رأى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال له: "والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم؟" قال: أجل، أجل والله يا رسول الله، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان ــ أي: المبالغة والشدة ــ في القتل بأهل الشرك أحب إلى من استبقاء الرجال.
وانقطع يومئذ سيف عكاشة بن محصن الأسدي فأتى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم فأعطاه جذلا من حطب، فقال: "قاتل بهذا يا عكاشة"، فلما أخذه من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم هزه، فعاد سيفًا في يده طويل القامة، شديد المتن أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله تعالى للمسلمين، وكان ذلك السيف يسمى العون، ثم لم يزل عنده يشهد به المعارك، حتى قتل في حروب الردة وهو عنده.
وبعد انتهاء المعركة مر مصعب بن عمير بأخيه أبي عزيز بن عمير الذي خاض المعركة ضد المسلمين، مر به وأحد الأنصار يشد يده، فقال مصعب للأنصاري: شد يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك، فقال أبو عزيز لأخيه مصعب: أهذه وصاتك بي؟ فقال مصعب: إنه ــ أي: الأنصاري ــ أخي دونك.
ولما أمر بإلقاء جيف المشركين في القليب، وأُخذ عتبة بن ربيعة فسُحب إلى القليب، نظر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في وجه ابنه أبي حذيفة فإذا هو كئيب قد تغير، فقال "يا أبا حذيفة، لعلك قد دخلك من شأن أبيك شئ؟" فقال: لا والله، يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا مصرعه، ولكنني كنت أعرف من أبي رأيًا وحلمًا وفضلًا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك، فدعا له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بخير، وقال له خيرًا.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال