تسجيل الدخول

اللحظات الأخيرة قبل بداية المعركة

ولما طلع المشركون، وتراءى الجمعان، قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم الغداة"، وعدل رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم صفوف المسلمين، وبينما هو يعدلها وقع أمر عجيب، فقد كان في يده قدح ــ أي: عصا ــ يعدل به، وكان سواد بن غزية غير مستو في الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: "استو يا سواد"، فقال سواد: يا رسول الله، أوجعتني فأقدني ــ أي: اقتص لي ــ فكشف عن بطنه، وقال: "استقد"، فاعتنقه سواد، وقبل بطنه، فقال له: "ما حملك على هذا يا سواد؟" قال: يا رسول الله، قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم بخير.
ولما تم تعديل الصفوف أصدر أوامره إلى جيشه بأن لا يبدأوا القتال حتى يتلقوا منه الأوامر الأخيرة، ثم أدلى إليهم بتوجيه خاص في أمر الحرب؛ فقال: "إذا أكثبوكم" ــ يعني: كثروكم ــ "فارموهم، واستبقوا نبلكم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم"، ثم رجع إلى العريش هو وأبو بكر خاصة، وقام سعد بن معاذ بكتيبة الحراسة على باب العريش.
وعن ابن عباس أن النبي صَلَّى الله عليه وسلم قال لأصحابه يومئذ: "إني عرفت أن رجالًا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحدًا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرها"، فقال أبو حذيفة: أنقتل آباءنا وإخوتنا وعشيرتنا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنه السيف ــ أي: لأقتلنه ــ فبلغت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال لعمر بن الخطاب: "يا أبا حفص، أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف؟" فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف، فوالله لقد نافق، فكان أبو حذيفة يقول: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة، فقُتل رضي الله عنه يوم اليمامة شهيدًا.
أما المشركون فقد استفتح أبو جهل في ذلك اليوم ــ أي: طلب من الله أن يحكم بين الفريقين ــ فقال: اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفه، فأحنه الغداة ــ أي: أهلكه اليوم ــ اللهم إن كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم، وفي ذلك أنزل الله: {إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19].
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال