تسجيل الدخول

قضية الأسارى

لما بلغ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم المدينة استشار أصحابه في الأُسارى، فقال أبو بكر: يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله، فيكونوا لنا عضدًا.
فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "ما ترى يا ابن الخطاب"؟ قال: والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكنني من فلان ــ قريب لعمر ــ فأضرب عنقه، وتمكّن عليًا من عقيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكّن حمزة من فلان ــ أخيه ــ فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم.
فهوى رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قال عمر، وأخذ منهم الفداء. فلما كان من الغد، قال عمر: فغدوت إلى النبي صَلَّى الله عليه وسلم وأبي بكر، وهما يبكيان، فقلت: يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: "للذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء، فقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة"، ويشير لشجرة قريبة، وأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْأَخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67 ــ 68].
والكتاب الذي سبق من الله هو قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنَّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: 4].
ففيه الإذن بأخذ الفدية من الُأسارى ولذلك لم يعذبوا، وإنما نزل العتاب؛ لأنهم أسروا الكفار قبل أن يثخنوا في الأرض، ثم إنهم قبلوا الفداء من أولئك المجرمين، الذين لم يكونوا أسرى حرب فقط، بل كانوا أكابر مجرمي الحرب، الذين لا يتركهم قانون الحرب الحديث إلا ويحاكمهم، ولا يكون الحكم في الغالب إلا بالإعدام أو بالحبس حتى الموت.
وقد كان الفداء من أربعة آلاف درهم إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألف درهم، وكان أهل مكة يكتبون، وأهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم، فإذا أتقنوا الكتابة فهو فداء.
ومَنَّ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على عِدة من الأسارى، فأطلقهم بغير فداء؛ منهم: المطلب بن حنطب، وصيفي بن أبي رفاعة، وأبو عزة الجمحي، وهو الذي قتله أسرًا في أحد.
وقد كان في الأسارى أبو العاص بن الربيع بن عبدالعزى، زوج زينب بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وكان الإسلام فرق بين زينب حين أسلمت وبين أبي العاص بن الربيع، إلا أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم كان لا يقدر أن يفرِّق بينهما، فأقامت معه على إسلامها وهو على شركه، حتى هاجر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلما سارت قريش إلى بدر، سار فيهم أبو العاص بن الربيع، فأصيب في الأسرى يوم بدر، فكان بالمدينة عند رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم.
ولما بَعث أهل مكة في فداء أسرائهم، بعثت زينب بنت رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في فداء أبي العاص بن الربيع بمال، وبعثت فيه بقلادةٍ لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين تزوجها، فلما رآها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم رقَّ لها رقة شديدة، وقال: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها، وتردوا عليها مالها فافعلوا"، فقالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه، وردوا عليها مالها.
واشترط رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم على أبي العاص أن يخلي سبيل زينب، فخلاها فهاجرت، وبعث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلًا من الأنصار، فقال: "كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها"، فخرجا حتى رجعا بها، وقصة هجرتها طويلة مؤلمة.
وكان في الأسرى سهيل بن عمرو، وكان خطيبًا مفوهًا، فقال عمر: يا رسول الله، انزع ثنيتي سهيل بن عمرو (الثنية: أول الأضراس في الفم) يدلع لسانه، (أي: يخرج خارج الفم)، فلا يقوم خطيبا عليك في موطن أبدًا. بيد أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم رفض هذا الطلب؛ خوفًا من بطش الله يوم القيامة.
وخرج سعد بن النعمان معتمرًا فحبسه أبو سفيان، وكان ابنه عمرو بن أبي سفيان في الأسرى، فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلَّى سبيل سعد.
الاسم :
البريد الالكتروني :
عنوان الرسالة :
نص الرسالة :
ارسال